العالم العربي على أعتاب عام جديد
في ديسمبر من كل عام يتم تقديم كشف حساب عن القضايا العربية خلال هذا العام، كما يتم تقديم توقعات وكذلك آمال العام الجديد.
والمسافة هائلة بين التوقعات والتقديرات وبين الآمال. في ديسمبر عام 2010 لم تكن الاحتجاجات الشعبية في مصر وتونس والجزائر قد وصلت إلى حد توقع الانفجار، الذي حدث في يناير، أي بعد نهاية العام بثلاثة أسابيع.
كانت تونس قد بدأت وانتهت برحيل بن علي وسقوط النظام في 21 يناير 2011، وكان المسؤولون في مصر يجزمون بأن ما حدث في تونس أمر منفصل، وأن تونس حالة خاصة، وبعد ذلك بأيام عدة بدأ الطوفان في مصر ثم في اليمن وغيرهما. واللافت أن سنوات القهر والفساد في مصر وتونس كانت قد وصلت بالبلاد إلى درجة اليأس من التغيير حتى بلغت القلوب الحناجر، خاصة في مصر التي تحالف على أهلها الفقر رغم غنى الدولة والتناقض بين الغنى الفاحش الحرام وبين الفقر المدقع الواسع، فضلاً عن توحش الأمن في صور لا حصر لها وكتم المعارضين مع اتساع دائرة الفساد والاستبداد، حتى صارت مصر رجل المنطقة المريض، وذل أبنائها في الداخل والخارج، كما تقزمت الدولة وصارت جسداً ضعيفاً مخترقاً. وفي إيجاز فإن عام 2011 هو عام الانفجارات ضد الاستبداد والفساد في العالم العربي، وهو الذي أطلق عليه الغرب "الربيع العربي"، ولا أظن أن التسمية لها ظل في الواقع. وإذا كان العام قد بدأ بداية مبشرة بكل الخير سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فإن هذا العام ينهي صفحته بالدم والدموع، لا بسبب الثورة في مصر، لكن الانحراف بأهداف الثورة والاستخفاف بالدم والكرامة المصرية لدرجة أن من استشهد خلال عام 2011 يقترب من شهداء مصر في الحرب مع إسرائيل مع فارق واحد أن الشهيد في الحالة الثانية يدافع ضد العدو أما الشهيد في الحالة الأولى فهو يحتج على عدم تحقق آماله من الثورة. والإطلالة الواضحة على عام 2012 وفي ضوء حصيلة عام 2011، فإن المراقب يقف بين الأمل في أن تعبر مصر إلى غايتها بسلام والخوف من أن تتعثر سفينتها خلال الأسابيع القادمة الحاسمة إزاء استحقاقات برلمانية ورئاسية ودستورية، لكن القضية الحاسمة هي مدى استعداد المجلس العسكري لتسليم السلطة إلى مؤسسات مدنية. ففي الصورة القليل مما يدعو إلى الاطمئنان وفيها الكثير مما يدعو إلى القلق ولهذا غلبنا الأمل على التوقعات.
أما القضايا العربية فقد شهد عام 2011 بعض الانتصارات في القضية الفلسطينية مقابل جمود المصالحة واستمرار الحصار على غزة ونجاح إسرائيل في منع كسر الحصار. ولعل الانسحاب الأمريكي من العراق فرصة للعراقيين، لا لشن حرب أهلية، لكن لإعادة العراق إلى الأسرة العربية. وفي المشهد العربي صور للأمل في تونس والمغرب وليبيا، ونأمل أن تلحق بهم اليمن وألا يشهد العام الجديد جراحات جديدة تتعلق بوحدة اليمن وانتصار الشعب في تحقيق الاستقرار والحكم الرشيد. أما الجرح النازف في سورية فقد أثقل ضمير الأمة طوال العام ولا نظن أن حلاً سعيداً يوشك في سورية رغم الأمل الكبير في ذلك .. عموماً استبشروا بالخير تجدوه.