«كرة الثلج» .. ربما تكبر .. ربما تذوب!
بارقة أمل كانت تلوح في الأفق، متجاوزة كل موجات القلق التي اعترتنا طوال العام الماضي. بدأنا نرصد توجها جريئا لدى المسؤولين نحو الاعتراف بالخطأ أو المشكلة متحدين بذلك حالات الإنكار أو الدعوات بـ ''مثالية'' المجتمع أو خصوصيته التي تشعرنا بأننا من سكان كوكب آخر غير ''الأرض''!
قبل عام 2011، كان بعض المسؤولين يبرئون المجتمع وينكرون وجود حالات فقر أو بطالة أو إيدز أو عنف أسري أو تدخين بين النساء. إلا أن العام الماضي أثبت أن تجاهل المشكلات أو تأجيلها لن يحلها بل قد يصعدها، فتتحول من مشكلة صغيرة ''قابلة للحل'' إلى ''أزمة'' لا سلطان لنا عليها، وهذا يسري على الأفراد والمؤسسات والدول على حد سواء.
على مستوى المؤسسات، حمل العام الماضي لنا شواهد عدة تحلى أصحابها بـ''شجاعة'' الاعتراف أمام وسائل الإعلام، منها على سبيل المثال:
• وزير التربية والتعليم ''يعترف'' بتدني مستوى التعليم في البلد مقارنة بمستويات التعليم في كثير من بلدان العالم. والحل من وجهة نظر الوزير: إنشاء ''هيئة التقويم والتقييم'' لحل مشكلات المجال التربوي والتعليمي.
• وزير التربية والتعليم ''يعترف'' بوجود فجوة بين التعليم العام والتعليم العالي. والحل: ردم هذه الفجوة بالمشاركة مع وزارة التعليم العالي.
• وزير العمل ''يعترف'' بوجود مليون ونصف مليون عاطل. والحل: إطلاق عدد من برامج التوطين.
• وزير العمل ''يعترف'' بوجود فساد في مكاتب العمل. والحل: إرساء الشفافية في الوزارة والتركيز على الخدمات الإلكترونية للقضاء على البيروقراطية والفساد.
• وزير العمل ''يعترف'' بأن 40 في المائة من موظفي وزارته غير راضين وظيفيا، لأن الوظائف لا تتناسب مع ميولهم وإمكاناتهم الحقيقية. والحل: التوفيق بين الوظائف وميول الموظفين.
• وزير الزراعة ''يعترف'' بفشل معظم مشروعات تربية المواشي. والحل: وضع استراتيجية متكاملة لتنمية قطاع المواشي.
• وزير النقل ''يعترف'' بوجود اختناقات مرورية تشهدها المدن الكبرى في السعودية. والحل: إنشاء شبكة نقل عامة وتوفير قطارات داخل هذه المدن.
إن الاعتراف بالمشكلة أو الخطأ سنة حميدة لا بد أن تترسخ في ثقافتنا الإدارية، ذلك أن ''الاعتراف'' يعد أولى خطوات العلاج، فلا يجدي الإنكار أو النفي أو المكابرة أو ورفض الواقع. ولو لاحظنا ''الاعترافات'' الواردة آنفا، نجد أنها مقرونة بالحلول. إذن، الاعتراف بالمشكلة يساعدنا، بل ''يحفزنا''، على وضع الحلول لكيلا تنقلب المشكلة إلى ''أزمة''.
وإذا كان السلوك التنظيمي - دراسة سلوك البشر داخل المؤسسات - يفسر كيفية نجاح المؤسسات أو فشلها في تخطي الأزمات، فإن الدكتورة إيريكا هيز جيمس أستاذة السلوك التنظيمي في جامعة فيرجينيا الأمريكية تقدم لنا طروحات مهمة. فهي مثلا تعرف ''الأزمة'' بأنها: ''حالة سيئة إذا ظهرت للعلن تؤدي إلى ردود فعل سلبية من قبل الأطراف المعنية، وبالتالي تؤثر على الوضع المالي للمؤسسة أو سمعتها أو استمراريتها''.
وتصنف الخبيرة الأمريكية الأزمات التي تشهدها المؤسسات إلى نوعين: مفاجئة ومتفاقمة. فـ ''الأزمة المفاجئة'' sudden crisis تأتي على حين غرة وتخرج عن سيطرة المؤسسة ولا يمكن تحميلها أي مسؤولية أو لائمة على وقوعها، مثل: الكوارث الطبيعية، والهجمات الإرهابية، وعمليات التخريب، والتسربات البيئية.
أما ''الأزمة المتفاقمة'' smoldering crisis فهي تنشأ في الأساس من مشكلة صغيرة تجاهلتها إدارة المؤسسة وأخذت هذه المشكلة تكبر مثل ''كرة الثلج''، وتتفاقم حتى أصبحت ''كارثة'' لا يمكن السيطرة عليها، مثل: فضائح الفساد الإداري/المالي، والحرائق/الإصابات جراء إهمال السلامة، والعيوب في منتجات/خدمات المؤسسة. وهنا تتحمل إدارة المؤسسة مسؤولية كاملة عن وقوع هذه الأزمات لأنها لم تكن ''مفاجئة''، بل متوقعة وناتجة عن الإهمال. وإذا كان ''المسؤول'' شجاعا سيظهر أمام الملأ معترفا بالتقصير ومقرا بمسؤوليته مع الإعلان عن الإجراءات التصحيحية التي سيتخذها لتطويق الأزمة وحلها.
ولأن 75 في المائة من الأزمات التي تشهدها المؤسسات تندرج ضمن نطاق ''الأزمات المتفاقمة'' كما تقول الخبيرة الأمريكية، فإننا ندعو ''القادة'' إلى الاعتراف بالمشكلات/الأخطاء في مؤسساتهم مع المبادرة إلى وضع الحلول المناسبة بالاشتراك مع جميع الأطراف المعنية. كما أننا نحثهم على تشكيل فرق مؤهلة ومتأهبة لـ ''إدارة الأزمات''، وتوفير برامج ''الإبلاغ'' التي تحفز الموظفين والعملاء ''المنذرين'' whistleblowers على الكشف عن مواطن الخلل في سياسات المؤسسة أو عملياتها أو خدماتها أو منتجاتها.
ويظل السؤال: كم من ''كرة ثلج'' في عالمنا الإداري كان يمكن تذويبها قبل أن تكبر؟