السكري ينمو منذ 30 عاما بنسب مخيفة.. و«الصحة» عاجزة عن كبح جماحه
يعتبر مرض السكري من الأمراض المزمنة التي أصبحت سمة مميزة للمجتمعات الحديثة، وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية 2009 يعتبر النوع الثاني من مرض السكري الأكثر شيوعاً في هذه المجتمعات ويمثل نحو 90 في المائة من الإصابات بالمرض وليست له أي أعراض واضحة في مرحلته الأولى، الأمر الذي يزيد فرصة الوفيات في البالغين إلى الضعف، وإذا لم يتم التعامل السليم مع المرض فإنه يتسبب في العديد من المضاعفات الخطيرة، التي من أهمها: العمى، أمراض القلب، أمراض الكلى، وبتر الأطراف.
إحصائيات
صنف الاتحاد الدولي للسكري في عام 2009 مرض السكري بأنه رابع أو خامس سبب مؤدٍ للوفيات في الدول ذات الدخل المرتفع، وقدر عدد المصابين بالمرض في الفئة العمرية من 20 إلى 79 سنة بنحو 250 مليونا بنسبة بلغت 6.6 في المائة من إجمالي عدد السكان في العالم لعام 2010. وبين أن القطاعات الصحية في العالم تنفق نحو 418 مليار دولار سنوياً على علاج مرض السكري ومضاعفاته والوقاية منه بنسبة تصل إلى 11.6 في المائة من إجمالي ميزانية الرعاية الصحية في الدول.
وطبقاً للاتحاد الدولي للسكري تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ثاني أعلى منطقة في نسبة انتشار مرض السكري بعد أمريكا الشمالية بنسبة 9.3 في المائة، وفيما يختص بالمصابين البالغين تعد المملكة ثالث دولة في معدل انتشار الإصابات بداء السكري بعد جزيرة ناورو والإمارات بنسبة بلغت نحو 17 في المائة من البالغين. وبحسب الإحصاءات المحلية أظهرت نتائج الدراسة التي أجراها الدكتور محمد النزهة وآخرون في عام 2004، أن 23.7 في المائة من السعوديين في الفئة العمرية بين 30 و70 عاماً مصابون بهذا الداء.
أبرز عوامل الخطورة والمسببات الاجتماعية والسلوكية والبيئية لمرض السكري قلة أماكن ممارسة الرياضة.
وصف باحثون الشعب السعودي بأنه غير نشط بدنياً، كما أنه يؤثر الجلسات الطويلة في نمط حياته المعيشية اليومية، وأكد الدكتور محمد النزهة في بحثه، الذي أعده على نحو 17 ألف مواطن في الفئة العمرية بين 30 و70 سنة أنه وجد أن أكثر من 96 في المائة من السكان لا يمارسون النشاط البدني. واعتبر باحثون هذه النسبة لقلة النشاط البدني لدى السعوديين مؤشرا خطرا عاليا يدل على أن أغلبية عدد السكان لم يصل إلى الحد الأدنى المطلوب من معايير النشاط البدني للمحافظة على صحتهم أو لتفادي خطر تفاقم الأمراض المرتبطة بقلة النشاط البدني ومن أهمها مرض السكري. وأشار باحثون إلى أن هناك معوقات مادية وبيئية أدت إلى قلة ممارسة النشاط البدني لدى السعوديين، من أهمها عدم توافر الأماكن المخصصة لممارسة الأنشطة الرياضية أو عدم كفايتها داخل المدن، إضافة إلى عدم توافر الإمكانات المادية لدى المواطنين للاشتراك في الأندية الرياضية.
تعتبر زيادة الوزن والسمنة من أهم عوامل الخطورة للإصابة بمرض السكري، وأظهر العديد من الدراسات في مختلف المجتمعات الارتباط الوثيق بين قلة النشاط البدني والسمنة وخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وعلى المستوى المحلي بلغت نسبة انتشار الوزن الزائد والسمنة لدى البالغين نحو 35 في المائة لدى الجنسين مع ملاحظة زيادة النسبة لدى النساء.
شرح باحثون أهمية تأثير المناخ الحار وقدرته على تطور الإصابة بمرض السكري، وقال الباحثون إن المناخ الحار يعتبر من العوامل البيئية المرتبطة بخطر الإصابة بمرض السكري، وبناء على فرضية الباحثين، فإن السكان الذين يعيشون في المناطق الأوروبية الباردة مثل غرب أوروبا تظهر لديهم جينات وراثية معينة تدعى جينات المناخ البارد، التي لديها القدرة على تخفيض خطر الإصابة بمرض السكري، من جهة أخرى، كشفت دراسة سعودية أجراها الدكتور محمد النزهة وآخرون تفاوتا في انتشار مرض السكري عبر المناطق السعودية، حيث تعتبر منطقة جنوب غرب المملكة، وهي الأكثر برودة مقارنة ببقية مناطق المملكة، الأقل في معدل انتشار مرض السكري، وبناءً على ذلك، فإن المواطنين الذين يعيشون في المناطق الحارة في المملكة يعتبرون الأكثر عرضة للإصابة بالمرض.
الغذاء
يعتبر الأرز واللحوم والدقيق الأبيض الغذاء الرئيس للمواطنين السعوديين، ورغم أن اللحوم التي يتم تناولها تحتوي على الكثير من الدهون إلا أن المواطنين يضيفون إلى ذلك الزيوت النباتية والحيوانية في إعداد الوجبات الغذائية، خاصة الوجبة السعودية الأكثر شهرة على المستوى المحلي ''الكبسة''. كما يعتبر الشاي المحتوي على كميات من السكر الشراب الاعتيادي للمواطنين في مختلف حياتهم اليومية سواء في أماكن العمل أو في المنازل، وكذلك يعتبر من المشروبات الرئيسة التي تقدم للضيوف في مختلف المناسبات الاجتماعية، إضافة إلى هذه الأكلات والمشروبات الشعبية، فإن الوجبات السريعة التي دخلت المجتمع السعودي خلال العقود الثلاثة الماضية نتيجة للتحول الاجتماعي إلى الحياة المدنية، تعتبر من العوامل المؤثرة في نمط الغذاء السعودي الحديث وزيادة معدلات السمنة لديهم والتي تعتبر أهم عوامل خطورة الإصابة بمرض السكري.
نمط المعيشة
هناك العديد من المظاهر التي برزت في المجتمع السعودي، وغيرت نمط المعيشة للمواطنين من الحياة الريفية البسيطة إلى الحياة الحديثة، من أهمها ظهور وسائل الترفيه الحديثة التي زادت من ميل الأشخاص إلى الجلوس عن القيام بالنشاط البدني ومنها مشاهدة التلفزيون وألعاب الكمبيوتر، إضافة إلى اعتمادهم على السيارات في أداء حياتهم اليومية حتى في الذهاب إلى الأماكن القريبة من منازلهم أو أعمالهم، ما أدى إلى قلة ممارسة المشي.
ومن أبرز المظاهر الاجتماعية الحديثة التي غيرت نمط المعيشة في المملكة الاعتماد الكلي على العمالة الأجنبية في أداء المهام اليومية، من خلال الخدم في المنازل، وكذلك الاعتماد على الحرفيين في الأعمال البسيطة كتنسيق الحدائق وغيرها، ما جعل المواطن يركن تماما إلى الجلوس والراحة وترك ممارسة أي نشاط مستطاع.
#2#
اللباس التقليدي
يعتبر الثوب و''العباية'' اللباس التقليدي في المجتمع السعودي من العوامل المساعدة على إهمال أو نسيان التمتع باللياقة البدنية، وبالتالي قد تتسبب في زيادة معدل كتلة الجسم دون الانتباه إلى ذلك. فطبيعة الثوب و''العباية'' الفضفاضة تتيح للشخص تناول كمية أكبر من الطعام، كما أنه قد لا يلاحظ هو أو المجتمع مقدار زيادة كتلة الجسم في الوقت المناسب الذي يتيح له ممارسة النشاط البدني للتخلص من الوزن الزائد.
أبرز الفئات المعرضة لخطر الإصابة بالسكري
تعتبر الفئة العمرية من 30 إلى 70 سنة من الرجال والنساء هم أشد الفئات السنية المعرضة لخطر الإصابة بمرض السكري في المجتمع السعودي للأسباب البيئية والاجتماعية المذكورة، إضافة إلى قلة الوعي بالأسباب المؤدية إلى المرض وأفضل الوسائل الوقائية، وبالتالي فإن التدخل لمعالجة تلك الأسباب أصبح أمراً ملحاً للحد من انتشار المرض والحفاظ على صحة المواطن من مضاعفاته الخطيرة.
مدى الحاجة
إلى تدخلات وقائية
من جهتهم، أكد باحثون سعوديون حاجة المملكة إلى تطبيق برامج عاجلة للوقاية من مرض السكري النوع الثاني الذي يصيب البالغين على أن تستهدف هذه البرامج الوقائية «المعروفة عالميا ببرامج تعزيز الصحة» الفئة العمرية الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالمرض وهي الفئة العمرية من 30 سنة وأكثر، وأشار الباحثون إلى أن هذه الحاجة مبنية على الزيادة في معدل انتشار مرض السكري لدى السعوديين خلال الـ30 سنة الماضية من 4.9 في المائة في الثمانينيات إلى 12.4 في المائة في التسعينيات من القرن الماضي حتى تخطت حاجز الـ 24 في المائة في الألفية الجديدة.
وأوصى الدكتور محمد النزهة وآخرون في بحثهم المنشور في عام 2004 بأن السعودية في حاجة مباشرة إلى تطبيق برنامج وقائي يستهدف المواطنين في الفئة العمرية من 30 إلى 70 سنة، إضافة إلى حاجتها إلى إجراء دراسات متعمقة لشرح مدى أهمية تجنب عوامل الخطورة في الإقلال من شيوع المرض وتفاقمه. كما أظهر المسح الخاص بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن نحو 55 في المائة من العينة التي تم اختيارها في المملكة تحت خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، كما أن 88 في المائة منهم غير مدركين بأنهم عرضة للإصابة بالمرض. كما أكد الدكتور عبد الله الجودي وعطية طه في بحثهما المنشور في عام 2009 والمختص بتقدير مستوى الوعي عن مرض السكري لدى السعوديين، أن الحضور لديهم نقص في الوعي بعوامل الخطورة ووسائل الوقائية بمرض السكري، وأن هناك حاجة إلى برنامج للتثقيف الصحي للمجتمع في هذا الجانب.
أبرز التدخلات الناجحة للوقاية من داء السكري
التدخل الأمريكي لتغيير نمط المعيشة يعتبر من أبرز التدخلات الناجحة للحد من انتشار مرض السكري والملائم للتطبيق بنجاح في المجتمع السعودي، حيث برزت مشكلة مرض السكري في المجتمع الأمريكي بعد التحول من نمط المعيشة الريفي إلى الحياة المدنية وتغير نمط الغذاء من الأغذية الطازجة إلى الوجبات السريعة والأطعمة المعلبة، ما أسهم في زيادة انتشار السمنة، وهو ما حدث في المجتمع السعودي خلال الـ 30 سنة الماضية.
وكان الهدف الرئيس لهذا التدخل هو إقلال الوزن للفئة المستهدفة في البرنامج من خلال التحكم في كمية الدهون التي يتناولونها، وكذلك حثهم على المحافظة على القيام بالنشاط البدني لمدة لا تقل عن 150 دقيقة في الأسبوع. واتخذ البرنامج الأمريكي عددا من الاستراتيجيات للوصول إلى الهدف الرئيس تتمثل في إقامة جلسات تثقيف صحي للفئة المستهدفة وطباعة البروشورات الملائمة لهم، وكذلك تزويدهم بمدربين متخصصين في اللياقة البدنية وخبراء في التغذية. وحقق البرنامج الذي استمر لمدة عام الهدف المرجو منه في إقلال الوزن بمتوسط 19.8 باوند للفئة المستهدفة خلال مدة البرنامج.
ثانياً: التدخل لرفع الوعي
يعتبر البرنامج الهندي للحد من انتشار مرض السكري من أنجح التدخلات لرفع الوعي بخطر مرض السكري لمواطنيهم بين العامين 2002 و2003، وكان هذا البرنامج المبني على مشاركة المجتمع، يهدف بشكل رئيس إلى رفع وعي الموطنين لديهم بخطورة مرض السكري من خلال برنامج تثقيف صحي مصمم شارك فيه قادة المجتمع لديهم والمعلم الزميل والمواطنون منذ مرحلة التخطيط للبرنامج، ومن أهم الاستراتيجيات التي قام عليها هذا البرنامج إقامة الجلسات التعليمية التثقيفية عن الغذاء السليم وأهمية النشاط البدني، كما شمل البرنامج عددا من الأنشطة المتمثلة في المقابلات الشخصية مع الفئة المستهدفة من قبل المختصين والمثقفين الصحيين، وبرنامج تعزيز الطبخ السليم، إضافة إلى أنشطة لممارسة الرقصات الشعبية ''الفولكلورية''.
وتأتي أهمية تطبيق برنامج الهند في المملكة نظراً للخصائص المشتركة بين المجتمعين من حيث ضعف الوعي الصحي لدى المواطنين بخطورة مرض السكري وقلة المعرفة بعوامل الخطورة المسببة للمرض، إضافة إلى ضعف المستوى التعليمي في المجتمعين وترسخ العادات والتقاليد الاجتماعية واعتمادهم عليها في الحياة اليومية، ما يجعل تطبيق هذا البرنامج مقبولاً في المملكة.