«الصحة البيئية» بين التخطيط الاستراتيجي وضبابية المرجعية

عند الحديث عن التوجه والتطبيق العملي لعلم وثقافة ''الصحة البيئية'' في السعودية كواقع ملموس يهدف إلى توافر الصحة والأمن والرخاء للمواطن والمقيم من خلال هذه القراءة التي تنشد الرغبة الجادة في فهم العلاقة والارتباط بين التخطيط الاستراتيجي المتمثل في الأنظمة واللوائح للمنظومات الحكومية ذات العلاقة عند مقارنتها بنوعية وجودة نتائج تطبيقات هذا العلم في المحافظة على الصحة البيئية للفرد والمجتمع ومحاربة المخاطر والملوثات البيئية.

تفعيل وتهيئة ومراقبة تطبيقات الصحة البيئية في المملكة تمر في واقع الحال بمنعطف ''مهني وتنظيمي'' يشهد غموضا وضبابية في المرجعية الإدارية الحكومية القادرة على التوظيف والتنظيم والتنسيق بين جميع فروع وإدارات الصحة البيئية في مختلف القطاعات والهيئات الحكومية عطفا على التباين في نسبة الإنتاجية العملية التي تصل في أغلب أحوالها إلى درجة المتوسط.
نتعرف في بداية هذا الطرح على التوجه التخطيطي الاستراتيجي في هذا الخصوص من خلال متابعة نبذة مختصرة لبعض الأنظمة واللوائح ذات العلاقة، ''خطة التنمية التاسعة ''للفترة ما بين أعوام 1431 و 1435 هجري والصادرة من وزارة الاقتصاد والتخطيط تشير إلى أن وثيقة الاستراتيجية الوطنية للصحة والبيئة تضمنت بعض المحاور المهمة المتعلقة بتنظيم وتهيئة المناخ المهني المناسب (لجودة الهواء، جودة مياه الشرب، إعادة استخدام مياه الصرف الصحي، الاستخدام الآمن للمواد الكيماوية، التخلص من ومعالجة المخلفات الصلبة، المحافظة على المناطق الساحلية من التلوث البيئي للمصانع وصناعة البتروكيماويات، تحقيق التوازن الأمثل بين البيئة والتنمية، رفع مستوى الوعي بقضايا البيئة وتنمية قدرة الكفاءات الوطنية في مجال البيئة والصحة البيئية)، ويشير ''النظام الصحي'' إلى ضرورة توافر ما يكفل الصحة العامة بالمجتمع والعيش في بيئة صحية سليمة ونشر الوعي الصحي وإجراء الدراسات والأبحاث، حيث يظهر ذلك بوضوح أكثر في المادة الثالثة والمادة السابعة عشرة، أما ''النظام العام للبيئة'' فتنص المادة الثانية منه على حماية الصحة العامة من أخطار الأنشطة والأفعال المضرة بالبيئة ورفع مستوى الوعي بقضايا البيئة وتنص المادة العاشرة على وجوب مراعاة الجوانب البيئية في عملية التخطيط على مستوى المشروعات والبرامج والخطط التنموية للقطاعات المختلفة والخطة العامة للتنمية، بينما تذكر'' اللائحة العامة للسلامة والصحة المهنية'' الصادرة من وزارة العمل في فصلها الرابع، الخامس، السادس، الثاني عشر والثالث عشر جملة من الاشتراطات والضوابط الصحية والمحافظة على اللياقة الطبية العمال والموظفين.
يجمع العديد من المختصين والباحثين في المملكة على أن توجه ''الصحة البيئية'' يعاني ويقاوم في الوقت نفسه من نقص الاهتمام وغياب المرجعية التنظيمية العملية والإدارية، حيث إن المسمى يختزل المشكلة الراهنة (فهو يجمع ما بين ''البيئة'' و''الصحة''، ومن هنا تجده مرة هنا ومرة أخرى هناك، والعديد من الأوقات ليس هنا ولا هناك).. وهنا يلاحظ أن بإمكان أي ناقد أو مسؤول أن يتبادل وبكل سهولة الأدوار والمسؤوليات مع الغير وكذلك الاتهامات في بعض الأحيان.
وبعد هذه القراءة التشخيصية السريعة والمباشرة تظهر الحاجة الماسة إلى توافر منظومة حكومية قيادية مرجعية لجميع أهداف ومفهوم وثقافة وقيم وتطبيقات الصحة البيئية في المملكة يمكن لها أن ترسم الاستراتيجية العامة لحصيلة التوافق والتداخل بين مختلف هذه القطاعات ذات العلاقة، ونقترح في هذه العجالة أن يتم استحداث ''هيئة عليا للصحة البيئية'' مستقلة، حيث يمكن لها أن تؤسس قاعدة تنظيمية وتنسيقية متينة عطفا على ما يجسده هذا التوجه الحيوي من تسارع واهتمام دولي وإقليمي تنظمه المعاهدات والمواثيق العالمية التي تشترك المملكة في عضويتها وتفعيلها في مجال المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية والصحة العامة، ويكون لهذه الهيئة دور في (نشر الدراسات والأبحاث والتقارير، التدريب من خلال الدورات التدريبية وورش العمل المتخصصة، دعم وتشجيع المنظومات والمؤسسات والأفراد في تبني العناصر والموارد والمعطيات الصديقة للصحة البيئية، تنظيم وتنسيق خطط علمية واستراتيجية موحدة للطوارئ، الربط الإلكتروني الموحد لجميع القطاعات والمؤسسات ذات العلاقة) بالتزامن مع طموح وتوجه الفرد والمجتمع في توافر الصحة والأمن والرخاء للمواطن والمقيم على أرض هذا الوطن.
خاتمة: الحرص والمتابعة على لسان الوالد والقائد خادم الحرمين الشريفين في كلمته التوجيهية المختصرة (لا شيء يغلى على صحة المواطن) هو الداعم بعد مشيئة الله لتهيئة وتطوير وتفعيل الخطط الاستراتيجية والتطبيقات العملية المناسبة للصحة البيئية مع الأخد في الاعتبار تضافر الجهود والعمل الجاد من الفرد والمسؤول والمجتمع بروح وسلوك الفريق الواحد.. فالحديث لنا هنا عن الصحة والمرض والوفاة ــــ لا سمح الله ــــ من خلال دور الصحة البيئية في هذا الخصوص، وكذلك على تأثر وتأخر مسيرة التنمية الشاملة والبناء التي يتمحور تطورها ونهضتها على سلامة صحة الفرد والمجتمع من المخاطر والملوثات من خلال المحافظة على اللياقة البدنية السليمة للتمتع بهذه الخدمات التنموية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي