الاقتصاد المتخفي الناهب السائب
اقتصاد الظل يبلغ حجمه في السعودية أكثر من 100 مليار ريال، وهو اقتصاد يفترض أن يكون بمنافعه لأبناء هذا الوطن وبناته. نريد تحويل هذا الدخل غير المحسوب في أرقام الدولة الرسمية، وهذا تقدير محافظ جدا، فالتقديرات العالمية تقدره بـ20 في المائة من الناتج المحلي، وإدخاله في المشروع الحالي لتوطين الوظائف، الذي تقوم وزارة العمل والحكومة ببرامج جبارة لأول مرة في تاريخنا الحديث لإحداث نقلة نوعية في توطين الوظائف. إنه اقتصاد من دون مسك دفاتر أو أوراق أو فواتير أو صفة رسمية، إنه مكان يضم عالما غريبا يديره الأجانب من كل الجنسيات غالبا ويستفيدون منه وزبائنه من كل الجنسيات ومداه تقريبا كل شيء من الدروس الخصوصية وتوزيع البضائع لشبكات البقالات وشبكات تقليد البضائع وغشها، ومقاولات من الباطن وتأمين العمالة والتستر، وتنظيم الحفلات والخدمات المنزلية والتمريض، وخدمات توصيل بسيارات خاصة، وتدريب رياضي من لياقة بدنية حتى الكونج فو، ووصل الحال إلى تقديم تدريب للحصول على شهادات مهنية أو تجهيز رسومات وخرائط هندسية توسعت بوجود التقنية التي تساعد على العمل عن بعد، وتركيب شبكات الإنترنت في المنازل والتسليك والسباكة وأعمال بناء بسيطة والترميم للمساكن والتأجير وخدمات عقارية والنقل للمنتجات وشبكات تدوير النفايات وبيع الممنوعات والخدمات النسائية المنزلية مثل الخياطة والتصميم وترويج المنتجات والطبخ وتموين المناسبات بالأغذية وتجهيز الأفراح والمناسبات في البر، وخدمات البحر والصيانة وأعمال الكوافير والمكياج وبيع العقارات وبيع في الشوارع وعند المدارس والملاعب ومناطق الترفيه وأعمال السكرتارية والطباعة والنسخ والتدقيق والمراجعة والمحاسبة وتوزيع الزكاة وخدمات الجمعيات الخيرية لعدم القدرة على التوظيف الرسمي ينتج منه تكاليف ثابتة وتغيير العملات وتحويلها برسوم منخفضة واستثمار الأموال بشكل غير مشروع والمضاربة بها، والمساهمات والخدمات التسويقية، والخدمات الطبية المنزلية والتمريض لكبار السن، ومن أسبابه عدم القدرة على الحصول على ممرضة أو ممرض وطني مستعد ومدرب لهذا العمل وخصوصيته ووجود موانع ثقافية واجتماعية. وتخصصت كل جنسية في مجال، وهي مجموعات وتخصصات حسب الخدمة ومدخولها يعبث بحسب حيله وأساليبه. إنه عالم غريب تشكَّل داخلنا ونحن على علم به ونراه أمامنا بلا حول وتعطي غير السعودي الفرصة للعمل بدوامين وأكثر، وأصبحت بعضها من التنظيم الأشبه بالمافيا من الثراء والحجم والعدد وتوظيف الغير والتوسع جغرافيا وعدديا والتنويع. إنه اقتصاد مخيف ينمو أسرع من اقتصادنا المعلن. إنه فرصة لو عملنا على اقتناصها لزادت أعمال التوطين والتوظيف وخلقت مجالا أرحب لها. نحن على علم بأن هناك من يتستر ويساعد على دعم هؤلاء وأولهم من يستعمل الخدمات وهو المواطن لحاجته إلى هذه الخدمات، بل كذلك المقيم وعلى رأسها خدمات الدروس الخصوصية، خاصة في نهاية العام الدراسي ودروس التقوية وعمل الخادمات في المنازل بالساعة، لكن أن يصل حجم هذا الاقتصاد إلى هذا المستوى ويتشبع وينتشر ويقوى يدعونا إلى التحرك للحصول على جزء من خيراته لأبناء الوطن، وبالحزم والشدة نصل إلى التنظيم والترحيل والتوطين وتطوير الآليات لذلك من تدريب المواطن والمواطنة ومضاعفة ما له علاقة بهذه الفرصة من ميزانيات وزارات: العمل والداخلية والتعليم والتدريب المهني، وتوسيع مجالات التدريب لتشمل حتى أعمال الكوافير والخياطة والتصميم والخدمات وتسهيلها والمنوط بها تحويل هذا الاقتصاد السائب. إن كل ريال يستثمر في مجال توطين الوظائف مردوده على مجمل الاقتصاد سبعة أضعاف، والبرنامج في حاجة إلى تسويق وتنظيم وتوعية حتى للصحافة وكتاب الأعمدة يشجع المحلي ويحميه وينسق السياسات في الحكومة والوزارات لتحويل هذا الاقتصاد الحر والسائب من عقود بنموه السريع لغفلتنا عنه وعدم ذكره في أي مكان في التقارير الرسمية أو الصحافة المكتوبة وعدم الحزم في تطبيق إجراءات القيادة. إن الآثار لهذا الاقتصاد سلبية سواء اجتماعيا أو اقتصاديا، بل حتى سياسيا.
إنه الاقتصاد المسروق من شعبنا يوميا بلا رحمة ولا شفقة وغير نظامي وخارج سيطرة وزارات التجارة والعمل والمالية والتعليم والبلديات ومصلحة الزكاة والدخل. هذا الاقتصاد من القوه بمكان أنك تجد إعلاناته في الشوارع وفي الإنترنت ونشاطاته أمام الملأ. إنها مؤسسة لها أنظمتها الخاصة وزبائنها وشبكات توزيعها وتعمل خارج أي أطر رسمية. يتم تبادل المنافع فيها والبضائع والخدمات بطريقة سلسة أوجبت تطوير جهاز رقابي متطور لتحويل ثرواته إلى المواطن بذكاء.
حينما اشتكى الشباب من عدم قدرتهم على الدخول في سوق بيع الخضراوات في إحدى المدن الرئيسة؛ لمضاربة الأجانب كان من الواجب اعتبار ذلك تعديا على حدود وطنية، ووجب منع ذلك بشدة وإيجاد جهاز أمني في المواقع المعروفة وتطوير برامج فيها وإيجاد ميزانيات خاصة وبرامج تدريبية ومحترفة للتعامل مع حماية حقوق المواطن في بلده حتى نسعود كل هذه الوظائف أبى من أبى وتضرر من أراد الاستمرار في هذا الكسب المخالف للأنظمة والقوانين وتوفير لقمة العيش لهم ونيل حق من حقوقهم لن نناله في أي بلد لو عمل المواطن السعودي فيه، فكل بلاد العالم تعطي الحقوق والأولوية لأبنائها وكان علينا تطوير جهاز يتبع لوزارتي الداخلية والعمل يسمى جهاز التوطين، وهو جهاز للتفتيش على الأعمال والأموال وأعمال الأجانب في شبكات خدمات من دون وجود سجلات رسمية وفواتير ومسك الدفاتر في اقتصاد الظل إنها ليست وسائل بوليسية، لكنها من أبواب النهي عن المنكر والتنظيم الضروري.
وإحدى الخطوات الرئيسة هي وضع الأنظمة التي توضح للأجنبي المخالف أن العمل بإقامة له شروطه وواجباته ومدى العقوبة في حال المخالفة. أما السيدات فلا بد من تطوير الآليات والأطر التي يمكن من خلالها وضع تنظيم للتحول تدريجيا بحلول عملية تتأتى من استراتيجيات ربما تكون الغرف التجارية ووزارة العمل والمالية والداخلية ووزارة البلديات هي القنوات التنسيقية الرسمية لتكوين جهاز آن أوانه للتخصص في التعامل مع هذا الموضوع، ففروعه كثيرة ومنافعه جمة، وكلما نما الناتج المحلي، الذي وصل إلى أكثر من تريليونين، نما اقتصاد الظل بوتيرة أسرع فلنحظ ببعضه. والقطاعات كلها تتضرر من التسيب في اقتصاد الظل وخيره للغير فلنوطنه بقوة وحزم.