نحو قانون يجرم من يؤججون النعرات الطائفية
بشعة، بل مقيتة هذه النزعة الطائفية التي انتشرت في منطقتنا، والتي تحض على العداء وعدم التسامح بين بعض الطوائف والمذاهب، خاصة أهل السنة والشيعة. ورغم أن هذه إحدى المصائب التي بُلي بها الإسلام والمسلمون منذ قرون مضت إلا أنه من المعلوم للجميع أنها ازدادت حدة منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، وتفاقمت حدتها بشكل مقلق ومزعج في السنوات الأخيرة الماضية.
والمملكة ــــ على الرغم من أنه لم يصلها هذا الوباء بالشكل المؤلم الذي انتشر في دول أخرى في المنطقة ونخر بنيتها الاجتماعية والثقافية والسياسية ــ إلا أنه، ومن منطلق أن الوقاية خير من العلاج، هناك اقتراح للتصدي لهذا الخطر قبل أن تنتقل العدوى وتصل الأمور بعدئذٍ إلى مرحلة التشنج والاحتقان والتأزم.
بيد أن الخوض في هذا الموضوع من جوانبه كافة في ظل هذه الظروف والتحديات التي تمر بها المنطقة والبلاد أمر شائك ومعقد وحساس للغاية، لذلك فإني لن أتطرق هنا للأسباب الدينية أو التاريخية أو السياسية لهذا المأزق الذي تعيشه المنطقة، فهذا يحتاج إلى مجلدات من البحث والتحليل وإبداء الآراء والأفكار وليس مجرد مقالة عابرة، وسأتناول هنا جزئية واحدة ومحددة تتمثل في الخطاب المتبادل بين الفينة والأخرى من هذه الفئة أو تلك.
وفي المملكة، وكما هو الحال في باقي الدول الأخرى، فإنه - مع الأسف الشديد - يوجد هناك من يتجاهل مشاعر الفئات الأخرى سواء من سنة أو شيعة ويجاهر بضرورة الحذر وعدم التعايش معهم، وكأننا بذلك أصبحنا أعداء بعضنا بعضا، وهذا لعمري أمر مؤرّق للغاية، لذلك فإنه حان الوقت لتتدخل الدولة وتضع القوانين والأنظمة التي تحافظ على كرامة ومشاعر ومعتقدات أي من الطائفتين في المملكة، وذلك حفاظاً على وحدة هذا الكيان الذي شيّده الملك المؤسس - طيّب الله ثراه - بعد أن أعطى الأمان لكل من دخل في نسيج هذه الوحدة الوطنية التاريخية غير المسبوقة، بأن كرامة الناس وحرياتهم مصانة ومحفوظة من الجميع.
نعم قد يكون هناك البعض (ولا يجوز أن نقول الكل) من الذين ربما يكون لهم انتماءات خارجية، لكن هذه مهمة الدولة وليس عامة الناس، ممثلة في أجهزتها الأمنية والقضائية للتحقيق والنظر في مثل هذه الأمور، فإن ثبت مثل ذلك الأمر فلا مساومة على أمن الوطن ووحدته، بل إنه يجب على الجميع الوقوف خلف القيادة قلباً وقالباً، وبالذات الآن وأكثر من أي وقت مضى، لضرب مثل هذه الفئة أو تلك بيد من حديد وبلا أية هوادة أو رحمة، لكن الأمر الذي يجب ألا يحدث البتة هو عدم الالتفات إلى خطورة أي تجريح يصدر من بعض أبناء هذا الوطن ضد إخوانهم في الطوائف الأخرى، حيث إنه لو تأملنا بتمعن لأدركنا أن المؤججين للصراع الطائفي بين السنة والشيعة، إما أنهم من المتعصبين والمتزمتين دينياً ويرفضون الآخر لمجرد أنه مخالف لهم، وإما أنهم ضحية لقراءات وتفسيرات معينة تحرض على عدم التعايش السلمي حتى لو كان البديل هو الفوضى والهلاك أو هم في الواقع من يريد التربص بهذا الوطن من خلال إذكاء نار الفتنة والطائفية والسعي لزعزعة الوحدة الوطنية.
والأمر الآخر، هو أنه وبمثلما يكن الكثير من السنة حباً وولاء لهذا الوطن، فإن هناك أيضاً الكثير من الشيعة في المملكة الذين يكنون كل الحب والولاء لهذا الوطن أيضاً، وبذلك لا يجوز التعميم هنا، كما أسلفنا، مع الإشارة إلى أنه وعلى مدار التاريخ قد وُجد في كل طائفة أو مذهب أو فئة من الناس من هو صالح وطالح، فمثلما أن هناك في الطائفة الشيعية من هو خطر على أمن الوطن واستقراره، فإن هذا الأمر ينطبق كذلك على السنة وما أسامة بن لادن والظواهري والفئة الضالة، التي دُحرت، بفضل الجهود الأمنية الكبيرة لأبناء هذا الوطن، التي هي في واقع الأمر مفخرة للجميع، إلا مثال وتأكيد على ذلك، فهل يا تُرى يُعقل أو يُقبل من أي إنسان أن يدعي بأن كل السنة إرهابيون أو لهم انتماءات خارجية مشبوهة؟
لقد بادر خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - في خطابه أمام مجلس الشورى في دورته الرابعة 1428هـ 1429هـ بلفت الانتباه لخطورة هذا الأمر حيث قال: ''إن تأجيج الصراعات المذهبية وإحياء النعرات الإقليمية واستعلاء فئة في المجتمع على فئة أخرى يناقض مضامين الإسلام وسماحته ويشكل تهديداً للوحدة الوطنية وأمن المجتمع والدولة''.
ولذلك فإن مصلحة الوطن العليا تقتضي التسامح والتعايش بين السنة والشيعة في المملكة، لذا فإن كل من يسعى إلى تأجيج النعرات الطائفية أو المذهبية من أي تيار كان لا بد أن يُشجب ويُحاسب ويُعاقب، فالوطن يجب أن يظل دوماً وأبداً فوق الجميع.
وبناء على ما تقدم، فإنه قد يكون حرياً ولحماية وحدة هذا الكيان، حتى يتحقق ما ذكره خادم الحرمين الشريفين - أيّده الله - على أرض الواقع، أن يُصدر نظام لتجريم ومعاقبة كل من يحض على الكراهية والعداء والفتنة وعدم التعايش السلمي بين أبناء هذا الوطن على اختلاف معتقداتهم، ولو حدث هذا الأمر، فإن ذلك على الأرجح سيحمل في طياته أكثر من رسالة إيجابية ومعبرة أولاها أنه لا يجوز أو يُقبل استعلاء فئة في المجتمع على فئة أخرى وبذلك يشعر جميع أبناء هذا الوطن بالأمان والاطمئنان، ما يسهم في زيادة الانتماء والولاء والمحبة للوطن، فضلاً على أنه في ذلك رسالة للعالم أجمع بأن المملكة تحترم جميع أبنائها وتحافظ على كرامتهم، إلى جانب أن مثل هذه الخطوة ستكون بمنزلة نقلة نوعية وإيجابية على صعيد ملف حقوق الإنسان في المملكة وبأنها - وكما عُهدت - تحافظ وتصون حقوق الإنسان التي تطالب العديد من الاتفاقيات، التي أبرمتها المملكة باحترام الناس ومعتقداتهم، وهو ما دعا إليه الدين الإسلامي الحنيف منذ قرون خلت.