صناعة الإنشاءات والأيدي العاملة
تعتمد صناعة الإنشاءات بقدر كبير على الأيدي العاملة التي تقوم بتنفيذ الأعمال، سواء فيما يخص قطاع الإنشاءات الجديدة أو أعمال التحديث والترميم والصيانة والتشغيل. وتعتبر الأيدي العاملة المحلية في المهن التي تتطلبها هذه الصناعة غير متوافرة بالشكل المطلوب، ربما لاعتماد صناعة الإنشاءات على مفهوم المشاريع المحددة المدة بما لا يعطي الانطباع في الاستقرار الوظيفي. وما زالت صناعة الإنشاءات تعاني الاعتماد شبه الكلي على الكوادر البشرية التي تأتي من الخارج لتساعدنا على بناء مشاريعنا.
إن الاهتمام بتوطين الوظائف والقضاء على البطالة وتوظيف السعوديين وإيجاد فرص العمل لهم مطلب ضروري ومهم، إلا أن واقع المرحلة التي نعيشها لا يسمح لنا بالتوطين الكلي مهما كانت الجهود. لذلك فلا بد أن نقابل الموضوع بالحكمة والموضوعية، وأن نبني لتغطية الأهداف على سنوات مقبلة لئلا تتعثر مشاريعنا ويتوقف ما بنيناه من قبل من مراكز صناعية وخدمية ومرافق سيضربها العطل والخلل إن لم يتم بناؤها وصيانتها بالشكل المطلوب. وقد أشار التقرير السنوي لديوان المراقبة العامة إلى شيء من ذلك، حيث أشار إلى أن عدد المشاريع التي لم تصرف من اعتماداتها في الأغراض التي خصصت لها وبقيت للعام الذي يليه وهو 1427/1428 بلغ 3981 مشروعا بلغت اعتماداتها ستة مليارات و800 مليون ريال، بينما بلغ عدد المشاريع التي نقل كامل اعتماداتها خلال عام 1427/1428 فقط 2473 مشروعا بقيمة 12 مليار ريال. وتم نقل 17 مليارا من الباب الرابع (المخصص للمشاريع) إلى الأبواب الأخرى خلال أربع سنوات ماليه فقط. ناهيك عن عدد المشاريع المتعثرة. في الوقت الذي سبق أن ناقش مجلس الشورى فيه موضوع تعثر المشاريع واتضح له أن عدم توافر الأيدي العاملة وعدم تأهيل جزء كبير من المتوافر حاليا كان سببا رئيسا من ضمن عدة أسباب للمشكلة.
إن هذه المشكلة ليست جديدة، ومع ذلك لم يتم حلها وتُركت وكأنها مستعصية عن الحل، فهل انتهت الحلول؟ سواء في التغيير الجذري لثقافة العمل في المجتمع عبر خطط استراتيجية لا بد أن تؤتي اُكلها على مر السنين، أو بالتعامل مع الموارد البشرية التي نستقدمها لتساعدنا على إنجاز مشاريعنا بشيء من الواقعية التي نعالج بها احتياجاتنا بما لا ينسينا أمورنا التي يجب النظر إلى معالجتها على المدى الطويل بالتخطيط والصبر والعزيمة والإصرار. هذه المعالجات يجب أن يدخل القطاع الخاص فيها كجزء مهم من المعادلة، باعتباره من سيقع على عاتقه الحل وسيكون موضعا للعقاب أو الضرر من جراء قرارات يتخذها مسؤولون لا يعرفون عن القطاع الخاص إلا ما يسمعونه عن أرباحه. لقد بدأ برنامج نطاقات لمعالجة البطالة الداخلية، ومع ما فيه من نقاط قوة ومكافآت لمن يلتزم به، إلا أنه ما زال يأخذ السعودة كأرقام وليست كنوعية، فالقضية الأساسية التي يعالجها هي اختفاء رقم العاطلين عن العمل من الوجود، وهو ما سينتج عنه بطالة مقنعة وتوظيف وهمي، فمن يوظف 20 اسماً سعوديا في وظائف صغيرة أو وهمية بمرتب افتراضي مجموعه 60 ألف ريال في الشهر، أفضل بكثير ممن يعمل لديه أربعة مهندسين سعوديين براتب 15 ألف ريال لكل منهم، والاثنان أفضل بكثير ممن يعمل لديه مدير تنفيذي واحد بمرتب قدره 60 ألف ريال. ومن هنا تبدو الحاجة إلى إعادة النظر في هذا البرنامج بما يُحسن الأداء ولا يعتمد على الكم فقط.