الجمعة, 2 مايو 2025 | 4 ذو القَعْدةِ 1446


عفيف .. الـ «ما بعد»!

سيسكت الراوي يوماً! ولن يجد سرداً يصف ولو جزءًا يسيرا من معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في بلادي. أعلم هذا وقد كتبت مراراً .. ورسمت كثيراً .. ولكن!
يعتنقني هم تحكم سطوته مستجدات لا تمل النتوء. وآخرها ما سجلته عدسة هاتف نقال في مدينة عفيف، لأحد العاملين بمركز التأهيل الشامل فيها، وهو يسوم طفلاً مريضاً .. سوء العذاب! الآلاف منا شاهدوا وحشية هذا الموظف/''الشيء'' .. وإن أخطأت العين، ما أخطأ السمع نبرة التهكم التي يصدرها هذا الوحش .. حتى من اختلاف أنين الصغير!
الصبر ضج!
وما عاد من مكان لأي صنف من صنوف الرواية .. والساحة متاحة، فقط، لفج السؤال!
في مستقبل مركز عفيف، وما ماثله من مراكز في مدن المملكة، لك، لي، ولنا جميعا .. أن نتساءل:
متى نرى كاميرات مراقبة تعمل على مدار الساعة؟
متى نطمئن بوجود مشرفين ومشرفات يراقبون أمثال الجاني طوال اليوم؟
هذان السؤالان في واجهة المسألة، والحديث عن ''نزلاء'' كما صرح أحد مسؤولي الشأن الاجتماعي! وإن كانوا، كما يزعمون، مجرد ''نزلاء''! أي أنهم ليسوا مرضى، ولا معانين، ولا مكابدين، ولا صفة أخرى تناسبهم سوى .. ''نزلاء''! والنزيل راحل، وإن أطال البقاء! حتى السجين أيها المسؤول الكريم!
قبل أسابيع، أرسل لي متابع كريم عبارة آلمتني كثيراً، حين قال:
لا تنس موضوع الإعاقة!
الواقع أبعد من النسيان يا سيدي! إنه واقع يحاكي الاستسلام أمام جمود المتاح!
واقع الإعاقة قابع في قاع ضمير لا أعرف رسماً لشكله!
لا أطباء، ولا مختصين، ولا مدارس، ولا مراكز (حقيقية) تقف في وجه تزايد الأرقام!
لا مواصلات، ولا برامج، ولا زيارات للمنازل، تتيح أدنى درجات الطمأنينة!
لا تقويم، ولا متابعة، ولا تأهيل، ولا عون، يوفر كفاف الرجاء!
لا رقابة على المراكز الأهلية وأسعارها، خدماتها، وسوء استغلالها للمنكوبين، ولو بمرور الكرام!
إذاً لا تلم علي، يا سيدي، إن لم يبق لي عزاء سوى في كاميرات وموظفين وموظفات يشرفون على ''عمالة'' من المفترض أن تنتبه لـ ''نزلاء''! ففي الإعاقة وعوالمها في وطني .. أيقنت بعد سنوات .. أن العين بصيرة .. واليد (غليلة) أنفاس طوال! البيوت تعاني كثيراً .. والآباء يستقيلون من وظائف، العشرات يقررون الانفصال، وأشقاء المعوق وشقيقاته يعيشون على هامش الانتباه .. ويضيق القريب قبل البعيد من حمل لم يشارك المجتمع (المدني) ومؤسساته في حمل ولو ذرة من عملاق وزنه! يكفي أن تستعرض أسماء أطفال يتم ''إنزالهم'' في مراكز بعواصم عربية .. لا لشيء، سوى لعدم وجود مكان يحتويه في بعض المدن كحالة إنسانية توجب الاحتواء!
عفيف الـ (ما بعد).. هي مطلب كل مهتم بذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية، فيما هو أبعد من توفير كرسي مدولب! وأتحدث تحديداً عن أنماط من إعاقات لا تكفل لصاحبها حتى أيسر النزر من وسائل التعبير! بينما تقدم تقنية اليوم آلاف الحلول! سيظل هذا القرار، وما شابهه، خاضعاً لعروض ولجان ومعاملات لا تتفهم وجع الصبر على حمم نازف الصدور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي