سبعيني يمارس مهنة الغوص حتى 4 أمتار
في تحد لعلامات الشيخوخة وتخط لحاجز الزمن يصر الغواص أنور أبكر محمد عقيلي (70 عاما) على مواصلة الغوص، حيث يمارس مهنته مع تقليص العمق إلى أربعة أمتار فقط، بعد أن كان يغوص في شبابه حتى عمق 30 مترا دون استخدام أي وسائل مساعدة على الغوص كالأوكسجين أو سدادة الأذن أو نظارة الغوص أو زعانف القدم، وهذا ما يثير الاستغراب حول قدرة هذا المسن على الغوص.
ويدرك المهتمون بالغوص والسباحة أن تلك المسافات ليست بالسهلة إطلاقا حتى على من يتمتعون بالحيوية والنشاط والذين قد يعجزون عن الغوص مسافة ثلاثة أمتار.
ويتحدث الغواص أنور عن بدايته في الغوص منذ كان الثامنة من عمره بمرافقة والده وجده حيث ولد في جزيرة قماح التابعة لجزيرة فرسان في جيزان.
وكانوا يتجمعون بمعدل سبعة أفراد في سفينة وسط البحر الأحمر حيث يقضون نحو ثلاثة أشهر وسط البحر دون أي وسيلة اتصال بعائلاتهم أو أهاليهم لاستخراج اللؤلؤ والصدف والقواقع، حيث المتعارف عليه في السفينة أن الفرد يغوص أربعة أيام ورزقه له والخامس رزقه للسفينة.
ويسمى الطفل الصغير الذي لا يعرف الغوص بعد بالتباب وغالبا ما يكونون أولاد الغواصين، لأن مهنة استخراج اللؤلؤ مهنة وراثية.
ويتذكر أنور أنه كان يقوم وقتها بأعمال بسيطة كتقديم القهوة وغسل الأواني وخدمة ربان السفينة والغواصين فيها حتى يبدؤوا في تعلم الغوص ويصبحوا غواصين.
وقال أنور إنهم كانوا يعيشون طوال هذه الفترة على حبات التمر أو الأرز فقط ويستمعون للأهازيج التي يقولها أحدهم. وأضاف أنه بعد أن تعلم الغوص وأصبح يمارسه أدرك أنه لا يجد في الغوص أي خطر أو خوف حتى مع أسماك القرش التي تتواجد أحيانا في المكان وبلهجته الجيزانية يقول ''القرش ما يجيك إلا بسبب'' فهو يستطيع السباحة بجانب سمك قرش دون خوف لأنه يثق أن القرش لن يحاول الاقتراب منه إلا بوجود سبب كدم أو جرح.
وفي رحلاتهم يستخرجون إلى جانب اللؤلؤ الصدف وخيار البحر الذي كان يسمى قديما بـ ''الحدب'' ويجد أنور سعادة وهو يعلم الأطفال حوله في مجسم سفينته في الجنادرية أسماء أنواع الصدف المختلفة ويصر عليهم لنطقها بالطريقة الصحيحة فهذه تسمى بـ ''لحم'' بكسر اللام وليس فتحها، والأخرى تدعى بـ''لكل'' وهذه بـ ''بصر''، أما هذه التي تضعونها لتسمعوا صوت البحر فتعرف بـ ''بوح''.
ويشير إلى أن العمل في الغوص يجعلك تؤمن أن الرزق من الله وحده فأنت تغوص لتستخرج مئات القواقع والأصداف وقد لا تربح من كل هذه الكمية سوى 250 ريالا، وقد يكون فيما استخرجته لؤلؤ فتربح بكل عشرة مثقالا وهو الوزن المستخدم لهم نحو سبعة آلاف ريال. ولا يمكنك التنبؤ أبدا أن هذه القوقعة أو الصدفة ستحتوي على لؤلؤ إلا بعد أن تكشطها فإما يكون بداخلها لؤلؤ أو ظفر حي أو حيوان يؤكل. بعد الأشهر الثلاثة يكون نهاية الرحلة التي يعود بها الغائبون في وقت معين عندما تصبح المياه باردة والطقس متقلبا وكانت تقام احتفالية للغائبين وتسمى ''القفال'' من قفل السفر، وتكون عودة السفن جماعية وتكون هذه العودة بمثابة عيد للجميع. بعد استخراج اللؤلؤ يأتي صيد السمك الذي يزيد على دخل الفرد فيهم.
وعن أهم ما يميز جزيرة فرسان هو موسم يسمونه ''الحريد'' حيث يعتبره أهالي فرسان من أهم المواسم التي يخرجون إليها جميعا بعد صلاة الفجر للانتظار في المنطقة التي تتجمع فيها أسماك الحريد ويسمى المكان ساحل القبر وهو محاط بالجبال، حيث يأتيها السمك قاطعا آلاف الأميال مهاجرا من الشواطئ الهندية في شهرين من كل عام ليستقر في هذه المنطقة لمدة أسبوع ليحتمي فيها من الأسماك المفترسة وللتكاثر بعيدا عن الأمواج التي تعكر راحته وهدوءه في منظر جميل وغريب فيستقبله أهالي فرسان بالأهازيج والأغاني الشعبية، إضافة إلى موسم الجراجيح نسبة إلى الطيور المهاجرة التي تأتي في أسراب كبيرة من دول مختلفة لتتوقف للراحة على جزر فرسان ويقومون هم بصيدها لغرض أكلها لأن طعمها لذيذ.
ويشارك الغواص أنور في ''الجنادرية'' منذ 18 عاما ليعرف الأطفال على مهنة الغوص ويرى إعجابهم بالقواقع والأصداف. إلا أنه أبدى استياءه من عدم إقبال الأطفال على التراث كما في السابق بل للإمساك بالقواقع وتكسيرها أو تغيير أماكنها في فوضى وعدم نظام، حتى أنه قرر هذا العام صباغة بعض القواقع بألوان زاهية لهم علها تجذبهم ولكن يبدو أن طريقته لم تنجح، إذ على الرغم من أن كل القواقع الموجودة حوله والمكان الذي يذكره بشبابه وذكرياته كان من الواضح أن عدم اهتمام الأطفال بالاستماع له أو الاستفسار عن طريقة استخراج اللؤلؤ سببا في حزن لم تخفه ابتسامته التي يرسمها على وجهه عندما يشاهد اهتمام البعض بالمجيء لسفينته والسؤال عما فيها.