نساء يعرضن حياتهن للخطر ويشوهن أجنتهن بحبوب الإجهاض
رغم أن القانون في السعودية يجرّم الإجهاض فإن عمليات الإجهاض تجرى في السعودية بشكل سري وبطرق طبية وغير طبية، وقد تؤدي بعض الطرق المستخدمة في عمليات الإجهاض إلى مشكلات صحية تؤثر في النساء وحياتهن، خاصة النساء اللاتي ثبت لديهن وجود تشوهات خلقية لأجنتهن وأردن التخلص من الحمل.
وأشارت الدراسات إلى أن هناك حالات طبية تحتم الإجهاض، وهي حينما يكون الجنين مريضا أو أن بقاء الحمل قد يشكل خطراً على صحة الأم، وبالتالي فإن الإجهاض عبر القنوات الشرعية أو المستشفيات النظامية المرخصة هو الحل الأفضل، حيث يمكن من خلالها متابعة الحالة الطبية من كثب من خلال الفريق الطبي وتتيح التدخل من خلال البروتوكول الطبي المناسب.
وعلى الرغم من أنه تم أخيرا طرح فتوى تبيح الإجهاض في حالات خاصة غير أن تطبيق الفتوى والعمل بموجبها يواجه تحديات كبيرة تتمثل في تأخر وصول الحوامل ذوات الأجنة المشوهة للمستشفيات التخصصية بشكل مبكر، حيث أوضح لـ ''الاقتصادية'' الدكتور بهاء الدين إبراهيم استشاري النساء والولادة وطب الأمومة والأجنة في مدينة الملك فهد الطبية، أن الفتوى الشرعية أجازت الإجهاض في ظروف معينة تحتم أن يكون إجهاض الجنين في فترة 120 يوماً، أي لا يتجاوز منتصف الشهر الرابع، لا بد أن يكون الجنين مصابا بمرض خطير لا يمكن علاجه أو قد تكون لديه إعاقة دائمة، موافقة الوالدين على الإجهاض، إضافة إلى تقرير من ثلاثة أطباء مسلمين يؤكدون الحالة.
#2#
وبيّن بهاء أن أغلبية الأمهات اللاتي لديهن أجنة مصابون بتشوهات خلقية يأتين إلى المستشفيات التخصصية في وقت متأخر من الحمل، حيث يصل بعضهن في الشهر التاسع، وبالتالي لا يدخلن ضمن الفتوى التي تبيح الإجهاض في فترة أقصاها منتصف الشهر الرابع، لافتاً إلى أنه لا بد من نظام يتيح التشخيص المبكر لحالات الأجنة المشتبه بإصابتها بتشوهات خلقية في الأشهر الأولى. من جهة أخرى، ذكرت دراسة حديثة أجراها باحثان في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث نُشرت مطلع العام الجاري 2012، أن حالات الحمل في السعودية التي يتم فيها تشخيص عاهات خلقية خطيرة في الجنين التي تتطلب حدوث الإجهاض وعدم استمرار الحمل حفاظاً على صحة الأم باعتبارها مقدمة على صحة الطفل في تزايد مستمر بسبب الزواج بين الأقارب من الدرجة الأولى.
حيث إن زواج الأقارب يعد أحد أسباب زيادة فرصة لتشوه الأجنة، وذكرت هذه الدراسة التي أجراها الباحثان الدكتور صالح العليان والدكتور خالد الفالح من مستشفى الملك فيصل التخصصي وجامعة الملك سعود أن ما مجموعه 119 حالة وفاة ولادية حدثت في مستشفى الملك خالد في الحرس الوطني خلال السنوات السبع الماضية وكانت بسبب تشوهات خلقية مميتة منها 32 في المائة تصيب الجهاز العصبي المركزي، و13 في المائة منها تصيب جهاز القلب والدورة الدموية، و11 في المائة منها تصيب الجهاز البولي والكليتين.
وأظهرت هذه الدراسة أن مسحاً ميدانياً أجري أخيرا في مستشفى الملك فهد في الخبر شمل 195 حالة وفاة ما قبل الولادة أثبت أن معدل وفيات ما قبل الولادة يبلغ 160 لكل ألف حالة حمل، يشكل سوء التكون الجنيني المميت ما نسبته 24.1 في المائة من هذه الوفيات الجنينية. كذلك أبانت دراستان إحداهما في منطقة عسير والأخرى في مدينة الملك فهد الطبية في الرياض أن نسبة التشوهات الخلقية التي قد تضطر الطبيب المعالج أو الأم للإجهاض تبلغ أكثر من 27 لكل ألف حالة حمل.
وأوضح الدكتور بهاء الدين إبراهيم استشاري النساء والولادة وطب الأمومة والأجنة في مدينة الملك فهد الطبية، أن التشوهات الخلقية تحدث لدى الأجنة لأسباب عدة، حيث إن نسبة كبيرة من تلك التشوهات تحدث لأسباب غير معروفة ونسبة منها تعود لأسباب وراثية وطفرات جينية، إضافة إلى أن نسبة من تلك التشوهات مرتبطة بتناول أدوية وعقاقير أثناء فترة الحمل قد تحدث هذه التشوهات.
وتحدثت دراسات وتقارير محلية عن أرقام مخيفة لعمليات سرية تجري باستخدام أدوية طبية تستخدم لغير ما صنعت له في محاولة من النساء لإجهاض حملهن رغم المضاعفات الخطيرة المحتملة على صحة الأم وحياتها، حيث تلجأ الأم الحامل التي ترغب في الإجهاض بسبب التشوهات الخلقية التي يعاني منها طفلها أو عدم الرغبة في إنجاب المزيد من الأبناء؛ أو بسبب ترتيب الإنجاب أو بسبب الأخطار الطبية المحتملة أو في أسوأ الأحوال بسبب العلاقات المحرمة وغير الشرعية التي ينتج عنها حمل غير شرعي؛ قد تلجأ إلى طرق غير صحية وباستعمال أعشاب أو أدوية غير مرخصة للاستخدام الشخصي كدواء السايتوتيك Cytotec الذي يحمل الاسم العلمي الميزوبروستول Misoprostol.
وذكر الدكتور بهاء الدين أنه من المعروف أن هذا الدواء يتم وصفه أساساً لمرض قرحة المعدة حيث يحدث تقلصات في البطن؛ ومن هنا تم تحوير استخدامه في حالات إجهاض الأجنة خاصة في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، مشيراً إلى أنه قد تم اتخاذ التدابير القانونية اللازمة لمنع بيع هذا العقار في الصيدليات التجارية بتاتاً، حيث لا يصرف إلا في الصيدليات الداخلية في المستشفيات الحكومية وبوصفات طبية معتمدة تحت إشراف الطبيب.
كما أن منظمة الصحة العالمية أصدرت الأدلة العملية التي توضح الشروط والظروف التي ينبغي أن يتم فيها الإجهاض واستخدام مثل هذه الأدوية؛ وتحذر من أي عملية أو محاولة إجهاض تتم خارج هذه المعايير العالمية المعتمدة. وكشف أحد الباحثين السعوديين في دراسة أجراها عن أن هناك مضاعفات خطيرة قد يسببها الإجهاض الذي يتم باستخدام عقار Misoprosto.
وقال الباحث السعودي الدكتور عبد الرحيم الروزي الأستاذ في جامعة الملك عبد العزيز إن أربع حالات لنساء سعوديات متزوجات تراوح أعمارهن بين 19 و30 سنة استخدمن العقار نفسه مدعيات أنهن حصلن عليه من خارج السعودية، وأشار إلى أنهن غير مدركات للمخاطر المحتملة من استخدام هذا العقار سواء لمن استخدمنه عبر الفم أو عن طريق المهبل. وأضاف أن استخدام هذا الدواء لإحداث الإجهاض في السعودية بطرق غير شرعية وغير صحية يعرض حياة الأم للعديد من المضاعفات الخطيرة مثل احتمال عدم اكتمال عملية الإجهاض لأن العقار ليس دائماً ناجحاً في إحداث الإجهاض، وبالتالي قد يسبب بقاء بقايا الجنين والمشيمة والدم المتخثر والأغشية الساقطة داخل الرحم وحدوث النزيف بشكل شديد وخطير، فقر الدم، تعفن الرحم، الخمج والإنتان، التنويم، الجراحة لاستئصال الرحم، التوتر والقلق، انعدام الخصوبة، عدم الحصول على الرعاية الطبية اللازمة بعد الإجهاض أو في حالة عدم اكتماله لأسباب أخلاقية وجنائية أو الوفاة. ونصح الباحث بأن تتم متابعة حالة الأم بعد الإجهاض والتأكد من اكتمال عملية الإجهاض أو اللجوء إلى عملية تنظيف وكحت الرحم بشكل طبي وتحت إشراف طبيب مرخص للتأكد من نظافة الرحم وسلامة الأم.
وعلى الرغم من شح الدراسات، فقد ذكرت دراسة أن وزارة الصحة أوضحت أن هناك نحو 47 ألف حالة إجهاض في السعودية خلال عام واحد فقط. وفي الدول التي لا يسمح فيها بالإجهاض مثل المملكة، تفتقر النساء إلى التوعية والمصادر والمعلومات الضرورية الواجب توافرها عند الأم قبل الإجهاض، ما يؤدي إلى تعرضها للمضاعفات الخطيرة بما فيها الوفاة. وربما تُرفض الحالات التي تتناول مثل هذه الأدوية المستحثة للإجهاض وتعاني المضاعفات من قِبل أطباء وعيادات النساء والتوليد للخوف من التدخل الطبي غير المرخص والعواقب الجنائية التي ربما تنشأ من هذا التدخل.
وذكرت دراسة أخرى نشرها الباحث السعودي نفسه أخيرا (2010) أن 40 في المائة من الأجنة التي تعرضت لمحاولة إجهاض باستخدام دواء سايتوتيك ميزوبروستول ولم ينجح الإجهاض قد أصيبت هذه الأجنة بعجز عصبي جمجمي وتفلطح غير طبيعي في شكل الجمجمة، لافتاً إلى أنه على أقل التقديرات فإن معدل 10 من ألف حالة من الأجنة المعرضة لهذا الدواء من الممكن أن تتعرض لتشوهات خلقية بحسب الدراسة.
وأوصى الباحث في دراسته أن تتم توعية الأمهات بشكل عام والفتيات والحوامل عن أضرار تناول أقراص أدوية الإجهاض والآثار المترتبة على ذلك؛ وأن يتم توجيههن للطرق الصحيحة والشرعية والآمنة لإجراء عملية الإجهاض.
ورصدت ''الاقتصادية'' العديد من المواقع الإلكترونية على الإنترنت تروّج لدواء السايتوتيك عبر عناوين البريد الإلكتروني وأرقام جوالات سعودية تستهدف المجتمع السعودي مستغلّة بذلك عدم قانونية الإجهاض في هذا البلد وصعوبة الحصول على الدواء عبر المستشفيات، إضافة إلى وجود طلب متزايد لمثل هذه النوعية من الأدوية. كما أنه يتم جلب العقار من بعض الدول المجاورة ويراوح سعر عبوة الدواء (28 قرصا) في السوق السوداء بين ألفين وخمسة آلاف ريال في حين أن سعره الأصلي لا يزيد على 40 ريالا.
وذكرت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع على موقعها الإلكتروني أنه يجب أن يتأكد طاقم العناية الصحية من توافر معلومات مناسبة ودقيقة عن عملية الإجهاض، فضلاً عن تقديم المشورة اللفظية، وينبغي إعطاء معلومات مفصلة عن الطرق المختلفة للإجهاض والتي يمكن استخدامها حسب مرحلة الحمل والمخاطر المحتملة المرتبطة بكل طريقة. وقال مختصون في الجمعية إنه قبل الإجهاض ينبغي معرفة المزيد من الجوانب ذات الصلة بالتاريخ الطبي مثل: اختبارات الدم (الهيموغلوبين وكريات الدم، وظائف الكلى والأملاح)، فحوص الأمراض التناسلية (بما في ذلك الكلاميديا أو غيرها من الأمراض التي تنتقل جنسياً)، اختبار مسحة عنق الرحم، إضافة إلى التصوير بالموجات فوق الصوتية، وهذه الاحتياطات قبل عملية الإجهاض يستحيل اتخاذها في حال قررت الأم إنهاء حملها بطريقة شخصية فردية في المنزل وباستخدام أدوية غير مرخصة كدواء السايتوتيك من دون استشارة الطبيب.