التوعية الصحية .. حائط صد مُعطَّل أمام الأمراض
يؤكد خبراء ومختصون في المجال الصحي أن التوعية الصحية هي حائط الصد الأول أمام كثير من الأمراض، وأن تدني مستواها يفاقم كثير من الأمراض داخل المجتمع، ويدعمون هذه الآراء بدراسات علمية أثبتت هذه الرؤية. وحصلت ''الاقتصادية'' على نتائج دراسات حديثة في هذا المجال، بينت أن نسبا كبيرة من المجتمع تجهل بعض الأمراض، حيث بينت دراسة لتقييم التوعية عن ''إنفلونزا الخنازير'' في الرياض أن 61 في المائة اتخذوا الحد الأدنى من الاحتياطات الصحية ضد هذا المرض أو لم يتخذوا أي احتياطات على الإطلاق، في حين أن 38 في المائة غير مقتنعين بصحة التقارير الرسمية حول هذا المرض إطلاقا.
ووفق عاملين في المجال الصحي فإن تدني مستوى التوعية الصحية لا يخص الأمراض الطارئة، بل في بعض الأمراض المستعصية مثل السرطان، حيث كشفت دراسة علمية في هذا المجال أن 68 في المائة من عينة مرضى مستشفى الملك فيصل التخصصي لم يسمعوا أبداً بأي أعراض (إشارات) تحذيرية للمرض قبل الإصابة به.
وأكد باحثون أن التوعية الصحية لم تسجل نجاحات ملحوظة تجاه تصحيح المفاهيم الصحية الخاطئة لدى مختلف شرائح المجتمع وبالأخص الفئات المعرضة لخطر الإصابة ببعض الأمراض المزمنة، وأضاف باحثون أن الأطباء والمثقفين الصحيين في المستشفيات والمراكز الصحية ومسؤولي التوعية الصحية لم يلعبوا دوراً كافياً في تثقيف المجتمع ورفع الوعي الصحي لديهم في مختلف الأمراض، لافتين إلى أن ممارسة السلوك الصحي لأفراد المجتمع يعكس نجاح الهدف من التوعية الصحية في أي مجتمع من المجتمعات. وعلى الرغم من أن وزارة الصحة تولي اهتماماً كبيراً للتوعية الصحية وترصد لها الميزانيات المناسبة؛ إلا أن عدداً من الباحثين في المجال الصحي التوعوي لم يسجلوا نجاحات للجانب التوعوي في القطاع الصحي من خلال دراسات ميدانية قامت بقياس مستوى الوعي الصحي بين عينات شاسعة وممثلة للشعب السعودي.
من جانبه، أوضح لـ ''الاقتصادية'' الدكتور صالح الحربي استشاري طب الأسرة والمجتمع وأحد المهتمين بالتثقيف الصحي أن التوعية الصحية تواجه عدداً من العوائق التي تحد من قيامها بالدور المطلوب وتتمثل أبرز المعوقات في غياب المختصين والمؤهلين في التثقيف الصحي في المراكز الصحية والمستشفيات، إضافة إلى نقص الدعم المالي، عدم وجود استراتيجية توعوية طويلة الأمد وكذلك قلة الوقت المعطى للتوعية والتثقيف الصحي في البرامج التلفزيونية والإذاعية، لافتاً أن قطاع التوعية في حاجة عاجلة إلى ابتعاث مجموعة تتكون من 40 إلى 50 مثقفا صحيا لعمل دورات سريعة في بعض الجامعات العالمية والعودة لتكوين قاعدة جديدة تعمل على النهوض بدور التوعية الصحية في السعودية.
على صعيد الأبحاث العلمية، قامت الباحثة حنان بلخي وآخرون من مركز الملك عبد الله الدولي للبحوث الطبية في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية بالحرس الوطني بدراسة عن مستوى الوعي الصحي، والتوجهات، والممارسات الصحية المتعلقة بوباء إنفلونزا الخنازيز H1N1 الذي انتشر في المملكة والعالم عام 2009. أجريت الدراسة على عينة بلغت 1548 مواطنا رجالا ونساء يمثلون جميع شرائح المجتمع السعودي وتم إجراء المقابلات معهم من خلال باحثين متخصصين، وباستخدام استبيان باللغة العربية أعد خصيصاً لهذا الغرض. وكانت نتائج الدراسة كالآتي: 44 في المائة من أفراد الدراسة أظهروا معرفة ضعيفة جداً حول المرض، و61 في المائة اتخذوا الحد الأدنى من الاحتياطات الصحية ضد هذا المرض أو لم يتخذوا أي احتياطات على الإطلاق، 38 في المائة لم يكونوا مقتنعين بأن تقارير وزارة الصحة عن المرض صحيحة أصلاً. كما أن 16 في المائة فقط من المشتركين قرروا أنهم تلقوا معلومات من مزودي الخدمة الصحية، 56 في المائة من أفراد الدراسة يؤمنون بأن عدد الحالات المعلن من قبل السلطات الصحية أقل بكثير من عدد الحالات الفعلي، 17 في المائة سجلوا ممارسة صحيحة وعالية للاحتياطات الصحية ضد انتشار وباء إنفلونزا الخنازير.
وخلصت الدراسة إلى أنه في حين كان هناك نداء قوي لإخصائيي الصحة العامة للاستعداد والجاهزية للتعامل مع الوباء الذي تم تصنيفه على الدرجة السادسة من قِبل منظمة الصحة العالمية، لم يكن هناك أي إعداد وتهيئة للمجتمع ليتعامل بفعالية مع الوباء من خلال التوعية الصحية.
وتقول الدراسة إنه برغم الاهتمام العالي بالمرض إلا أن ذلك لم تتم ترجمته إلى استجابة كافية بممارسة الإجراءات الوقائية ضد انتشاره، وترجع أسباب ذلك إلى ضعف الوعي والمفاهيم الخاطئة التي لم يتم تصحيحها عن المرض وطرق انتقاله، وكون القنوات التلفزيونية والصحف هي المصدر الرئيسي للمعلومات لدى المواطن، مع أنها لا تنقل إلا تقارير الوفيات والأخبار المبالغ فيها بحسب الدراسة.
وعن الدور التوعوي للجهة الصحية الرسمية، فقد أكدت الدراسة أن الأطباء والمثقفين الصحيين ومسؤولي التوعية الصحية لعبوا دوراً غير كافٍ في تثقيف المجتمع. وأوصت الدراسة بأن على القطاعات الصحية في المملكة تعزيز التواصل بين كوادرها الصحية وبين جميع فئات المجتمع لتوعية أفراده وتزويدهم بالمعلومات الصحية الدقيقة ليقوم المجتمع بدوره في الحد من انتشار مثل هذه الأوبئة الفتاكة والأمراض المعدية.
من جانب آخر، أكد لـ ''الاقتصادية'' إبراهيم بن عبد الله الجريد مدير أحد المراكز الصحية في الرياض أن المراكز الصحية لا تستطيع تقديم الدور التوعوي بالشكل المطلوب نظراً لنقص الإمكانات المتوافرة، مشيراً إلى أن مركزه لم يتلق وسائل تثقيفية مثل الكتيبات والبروشورات منذ نحو خمس سنوات، لافتاً إلى أن المركز الصحي يقوم بتوفير الأدوات اللازمة من خلال جهود شخصية يقوم بها المركز الصحي عن طريق تبرعات فاعلي الخير.
وأشار الجريد إلى أن المراكز الصحية لم تستطع استغلال حملات التطعيم الدورية التي تقوم بها من أجل توعية المواطنين نظراً لعدم توافر الوسائل التوعوية مثل البروجيكتور والبروشورات لكي يتمكن المثقف الصحي من الذهاب للمدارس وتوعوية الحي بأكمله تجاه أي مرض، مضيفاً أنه لا توجد أصلاً سياسة واضحة للتوعية من قبل الوزارة أو جدول يوضح الأوقات التي تتم من خلالها التوعية وكذلك الأمراض المستهدفة بالتوعية.
في الصدد ذاته، أشارت دراسة مسحية أخرى أجراها باحثون من مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ومن مدينة الملك فهد الطبية في الرياض، إلى أن مستوى الوعي حول مرض السرطان عند السعوديين ضعيف جداً وأن المصادر والجهود يجب أن تُوجه نحو رفع الوعي الصحي لدى المجتمع. حيث شملت الدراسة عينة تتكون من 1407 أفراد سعوديين (688 رجلا و719 امرأة) من مرضى السرطان أو مرافقيهم ممن هم في سن 15 سنة أو أكثر من مراجعي عدة مستشفيات ومراكز صحية تم اختيارها عشوائياً. وكان من بين نتائج هذه الدراسة أن 68 في المائة من أفراد العينة لم يسمعوا أبداً بأي أعراض (إشارات) تحذيرية لمرض السرطان، في حين أن 74 في المائة منهم يؤمنون أن مرض السرطان يظهر بين عشيةٍ وضحاها. وأظهرت الدراسة أن 233 فقط من أفراد العينة (16 في المائة) استطاعوا الإجابة بشكل صحيح عن 75 في المائة أو أكثر من أسئلة الاستبيان مما يدل على قلة نسبة الذين يظهرون معرفة كافية ووعيا عاليا حول مرض السرطان في المجتمع السعودي. وأشارت الدراسة إلى عدد من نتائج الدراسات السابقة التي أجريت في عدة مناطق من المملكة، حيث وجدت أغلب هذه الدراسات أن مستوى الوعي حول أنواع مختلفة من مرض السرطان كسرطان الثدي وسرطان المعدة والأمعاء الدقيقة وسرطان عنق الرحم هو مستوى منخفض في المجتمع السعودي مقارنة بغيره من المجتمعات، مما ينبئ عن غياب دور التوعية الصحي في هذا المجال. وأكد الباحثون أن القنوات المتلفزة والإعلام المقروء يعتبران المصدر الرئيس للمعلومات الصحية التي يتلقاها أفراد المجتمع، وأن دور الأطباء والعاملين في الرعاية الصحية الأولية والمختصين الصحيين في توعية المجتمع محدود إلى أبعد الحدود.
وفي مسح آخر قام به الدكتور يحيى الخالدي والدكتور محمد خان شمل 198 مريضاً بداء السكري من مراجعي أحد المراكز الصحية النموذجية في منطقة عسير، وجد الباحثان أن 33 في المائة فقط من مرضى السكر يتلقون تثقيفاً صحياً كافياً حول المرض ومضاعفاته والسيطرة عليه في حين أن 67 في المائة لا يتلقون أي توعية صحية أو يتلقون مستويات غير كافية من التوعية الصحية حول المرض.
وأظهر المسح أن الهيكل التنظيمي والعناصر الأساسية في برنامج التوعية الصحي لمرض السكر لم يكن بالقدر المرضي حيث تم تقييم البرنامج بثلاث درجات من 12 درجة، وأكد الباحثان أن هذه النتائج تنطبق على معظم المراكز الصحية في المنطقة. كما ذكرت الدراسة أن بطاقة تعريف مريض السكر كانت العنصر الوحيد من التوعية الصحية الذي كان متوافراً طوال الوقت حيث تم توزيعها على 91 في المائة من المرضى. وأوصى الباحثان في دراستهما بأن التوعية الصحية في مجال السكري من أهم وسائل السيطرة على المرض، حيث تمنع مضاعفاته مثل القدم السكرية؛ مشيران إلى أن التوعية حول هذا الموضوع لم تقدم إلا لـ 25 في المائة من مرضى السكر.
وأوضح مختصون في التوعية الصحية، أنه لتحقيق أهداف التوعية الصحية في المجتمع، ينبغي تقييم أداء عملية التوعية من خلال عدة نقاط تتمثل في أن يكون أفراد المجتمع قد ألموا بالمعلومات المتصلة بالمستوى الصحي في مجتمعهم، وقد يكونون قد ألموا بالمشكلات الصحية والأمراض المعدية التي تنتشر في مجتمعهم ومعدل الإصابة بها وأسبابها وطرق انتقالها وأعراضها وطرق الوقاية منها ووسائل مكافحتها. أن يكون أفراد هذا المجتمع قد فهموا وأيقنوا أن حل مشاكلهم الصحية والمحافظة على صحتهم وصحة مجتمعهم هي مسؤوليتهم قبل أن تكون مسؤولية الجهات الحكومية، فالإنسان نفسه يعتبر موطنا للمرض نفسه أو لغيره، وإصابة فرد واحد بمرض معين أو انتشار أي مرض في المجتمع أساسه أصلا تصرف غير صحي لفرد أو أكثر، والمجتمع الذي نريد الوصول إليه بنشر الوعي الصحي بين مواطنيه هو مجتمع يتبع أفراده الإرشادات الصحية والعادات الصحية السليمة في كل تصرفاتهم وممارستهم بدافع من شعورهم ورغبتهم، ويشتركون اشتراكا إيجابيا في حل جميع مشكلاتهم الصحية.
وأضافوا: يجب أن يتعرف أفراد المجتمع على الخدمات والمنشآت الصحية في مجتمعهم، ويتفهموا الغرض من إنشائها وكيفية الانتفاع بها بطريقة صحيحة ومجدية، كما يشتركون في تقويمها ويتوخون السبل والوسائل التي تزيد من فائدتها وكفاءتها، وإذا وجدوا أو رأوا أنها غير كافية أو غير مجدية يبذلون كل الجهد في سبيل إنشاء مشروعات صحية، لافتين إلى أن العلاقة بين تعبير الوعي الصحي والتربية الصحية يتمثل في أن نشر الوعي الصحي هو الهدف الأول من التربية الصحية، كما أن السلوك الصحي من مظاهر الوعي الصحي.