استشاري لـ "الاقتصادية" : البعوض الناقل الرئيس لحمى الخُمرة النزفية وليس القراد
اكتشف باحث سعودي أن البعوض يعتبر الناقل الرئيس لمرض فيروس حمى الخمرة النزفية والذي تم اكتشاف أول حالة منه في السعودية في عام 1994، وذلك خلافاً لما هو متداول بأن القراد هو الناقل الرئيس لهذا المرض كما يظهر في تقارير ودراسات صحية محلية وعالمية. وسيتم نشر نتائج هذه الدراسة الطبية في مجلة ''علم الفيروسات العالمية'' قريبا بحسب الباحث. وأشار إلى أن الفيروس يدعى فيروس ''الخمرة'' نسبة إلى حي الخمرة في مدينة جدة وليس فيروس ''الخرمة'' نسبة إلى محافظة الخرمة شمال شرق الطائف. ولفت إلى أن هذا الخلط بين هذين المسميين جاء نتيجة خطأ غير مقصود من باحثين.
وأوضح لـ ''الاقتصادية'' الباحث الدكتور طارق مدني الأستاذ في جامعة الملك عبد العزيز في جدة أنه تم أخيراً تحديد وعزل الفيروس المسبب لحمى الخمرة (المسماة خطأً الخرمة) النزفية في أنسجة البعوض مما يعد كشفاً علمياً جديداً في هذا المجال، كما تم إثبات قدرة هذا الميكروب على التكاثر بنجاح داخل أنسجة وخلايا البعوض الذي تمت دراسته، مما يدل دلالة قاطعة لا تدع مجالاً للشك أن البعوض ناقل رئيس للمرض. وأشار مدني إلى أن الدراسات المحلية السابقة نفت أن يكون البعوض ناقلاً للمرض مع أن تحديد ذلك لا يتأكد إلا بعد دراسات مخبرية وحقلية تقدم الدليل القاطع على أن البعوض ناقل للمرض أم لا.
#2#
إلى ذلك نُشرت دراسة مقارنة عام 2009 حصلت ''الاقتصادية'' على نسخة منها، شملت 28 حالة للمرض و65 شخصاً سليماً لأغراض المقارنة قام بها الباحث عبد الله الزهراني من وزارة الصحة وآخرون. وجدت هذه الدراسة أن 39 في المائة فقط من المصابين بحثوا عن العناية الطبية وتم تنويمهم، وكانت أهم الأعراض الحمى والرعاف، الطفح الجلدي ونزيف اللثة، تغير لون البول وصلابة العنق. وأشار الباحث الزهراني إلى أن فترة دخول فصل الصيف من آذار (مارس) إلى حزيران (يوليو) هو موسم ظهور هذا المرض، وأن الناقل الرئيس له هو القراد، حيث وجد أن الحالات سجلت لدغات القراد 11 مرة أكثر من الأشخاص السليمين. كما لم تسجل هذه الدراسة أي ارتباط بين لدغات البعوض والإصابة بهذا المرض. وذكرت الدراسة أن تربية الماشية والاحتكاك بها وبمنتجاتها أو حتى مجرد العيش بقرب مزارع تربيتها تعد من عوامل خطورة الإصابة بهذا المرض.
#3#
وكان الزهراني قد اعتمد على مصادر سابقة في أن أول حالة تم اكتشافها في الخرمة قرب الطائف، ونفى مدني ذلك بحجة أن هذه المصادر التي اعتمد عليها الباحث وزملاؤه لم تذكر الخرمة أصلاً، وإنما ذكرت أن أول ست حالات كانت في حي الخمرة في محافظة جدة. وذكر مدني أنه منذ ذلك الحين تم التعارف على المرض بأنه فيروس الخمرة وتم التعميم بذلك؛ إلا أنه عند نشر ورقة علمية بواسطة أحد الباحثين في السعودية لاحقاً حدث خطأ مطبعي أثناء الترجمة أدى إلى استبدال وعكس حرفي ''الميم والراء'' ليتحول الاسم من الخمرة إلى الخرمة! وبالتالي تم تداول المرض بالاسم الجديد في عدد من التقارير والدراسات الصحية، حيث لا يزال يعرف رسمياً إلى اليوم بحمى الخرمة النزفية حتى على موقع وزارة الصحة الرسمي. في حين شدد مدني على أن مدينة الخرمة التي تبعد عن حي الخمرة مسافة 280 كيلومترا لا تمت بأي صلة لهذا المرض أو الفيروس المسبب له. وذكر مدني أن نسبة الحالات التي تعرضت للدغ القراد هي فقط 3 في المائة في حين أن الباحث الزهراني أظهر النسبة نفسها بنتيجة 36 في المائة مما يدل على اختلاف في نتيجة الدراستين المجريتين على الحالات نفسها في منطقة نجران. وأرجع السبب إلى أخطاء في اسقصاء معلومات التاريخ المرضي للمصابين.
وعلق يو جيرد ليبرت باحث ألماني في مقال نشر في المجلة نفسها في منتصف آذار (مارس) الماضي على البحوث المقدمة من كل من الزهراني ومدني، وقال لا أستبعد تورط البعوض في نقل مثل هذا المرض، لافتاً إلى أن الباحث مدني محق بعض الشيء في انتقاد نتائج تلك الدراسات؛ وقال إن اللجنة العالمية لتصنيف الفيروسات لم تصدر بياناً نهائياً حول المرض وتصنيفه أو تسميته.
في غضون ذلك قام الباحث طارق مدني من جامعة الملك عبد العزيز بحصر ودراسة الحالات المشتبه في إصابتها بهذا المرض بين عامي 2001 و2003، والذي قام بتسميته بحمى الخمرة بدلاً من الخرمة. وتم تسجيل 37 حالة منها 20 حالة مؤكدة مخبرياً. وذكر الباحث أن أهم الأعراض الإكلينيكية في هذه الحالات كانت حمى حادة مع التهاب كبد ومخ، إضافة إلى الأعراض النزفية. كما ذكر الباحث في دراسته أن المرض يبدو أنه ينتقل من الغنم أو الماعز للإنسان عبر لدغات البعوض والقراد أو الاتصال المباشر مع الحيوانات المصابة. وقد استخدم الباحث طارق مدني طريقة RT-PCR كمعيار معتمد لتأكيد الإصابة بالمرض في أول سبعة أيام في الحالات المشتبه بها، وأثبت أن هذه الطريقة أفضل من الطريقة التقليدية لعزل الفيروس.
وقد ذكر تقرير مفصل عن المرض قام بنشره الباحث زياد ميمش من وزارة الصحة وآخرون عام 2010 أن المرض يعرف عالمياً باسم حمى الخرمة وذكر تقريباً الأعراض المذكورة في الدراستين السابقتين نفسها، إلا أنه يتفق مع الزهراني في كون القراد هو الناقل الرئيس للمرض وليس البعوض كما افترض مدني وآخرون.
وفي مطلع عام 2010 قامت وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة الزراعة بإطلاق الحملة الوطنية لمجابهة حمى الخرمة النزفية وتمت مناقشة خطة هذه الحملة في ورشة تم عقدها في وزارة الصحة بحضور خبراء عالميين، وكان من أهم ما أكدت عليه الورشة هو التوسع في الأبحاث حول هذا المرض والميكروب المسبب له ليسهل التشخيص والعلاج وتصميم حملات التوعية في هذا المجال.
وبالرجوع إلى موقع وزارة الصحة فإن جهود الوزارة في مكافحة هذا المرض تلخصت في دعم الأبحاث حول هذا المرض والفيروس لدعم وتعزيز الخطة الوطنية لمكافحة هذا المرض، كما شملت حملة توعوية تتمثل في توجيه مديرية الشؤون الصحية بمتابعة الحالات وزيارة المستشفيات ومقابلة الأطباء المعالجين وتوعيتهم عن المرض.
وبشكل عام وحسب مصادر وزارة الصحة فإن حمى الخرمة النزفية هو من الأمراض المشتركة بين الحيوان والإنسان والمنقولة عن طريق القُرَاد حيث تنتقل من الحيوان للإنسان عن طريق قرصة القراد الذي يوجد في حظائر المواشي (الخِراف والأغنام و الجمال)، كما يمكن أيضاً أن تحمل الحيوانات المنزلية الأليفة مثل القطط والأرانب القراد الناقل للمرض. ولا توجد أدلة علمية موثقة تثبت أن المرض ينتقل عن طريق البعوض. ويعتبر مرض حمى الخرمة من الأمراض الفيروسية النزفية، وينتمي الفيروس المسبب لهذا المرض إلى مجموعة من الفيروسات المعروفة بالفيروسات المصفرة (فيروسات فلافي) وهي قريبة في تركيبتها الجينية من فيروس آخر يسبب مرضا مشابها لحمى الخرمة و يعرف بفيروس غابة كياسانور في الهند. ويعتبر التعرض للحيوانات أو لحومها أو منتجاتها من القواسم المشتركة في معظم الحالات التي سجلت، وعليه فإن الأكثر عرضة للإصابة هم الأشخاص الذين لهم اتصال مباشر بالمواشي مثل الرعاة، ومَن يتعاملون مع اللحم النيئ (غير المطهو) مثل الجزارين والعاملين في المسالخ إضافة إلى ربات المنازل والخادمات، كذلك الحجيج ومخالطيهم عبر ذبحهم للهدي، إضافة إلى مَن يتناولون الألبان مباشرة من الحيوانات (البقر أو الماعز أو الإبل) دون غليها أو معالجتها (الألبان غير المبسترة).
ووفقاً للموقع الإلكتروني الخاص بالتوعية الصحية بوزارة الصحة فإن الخط الأول للوقاية يتمثل في التأكد من سلامة الماشية وتجنب الاحتكاك غير الضروري معها أو منتجاتها. والتعامل الحذر مع الماشية المريضة، وارتداء قفازات عند التعامل مع اللحوم النيئة غير المطهوة (مثلا عند إعداد الطعام). ومن الضروري الكشف الدوري على المواشي للتأكد من خلوها من القراد، ومن ثم استعمال المبيدات الحشرية المناسبة للحيوانات وتحاشي شرب أي نوع من أنواع الحليب أو اللبن غير المبستر (مباشرة من المواشي).