المجتمع السعودي وأخلاقيات الكتابة الصحفية
أصبحت المقالات في الصحف الرسمية المكتوبة وغير الرسمية على صفحات التواصل الاجتماعي من أهم منابر التعبير عن الرأي، فسلطة الرقابة في مجلاتنا تقلصت كثيراً، بل أصبح من غير المقبول في غالب الأحيان التدخل فيما يُكتب، ما لم تكن هناك خطوط حمراء تتطلبها المصلحة العامة.
نحن في هذه الدولة، لا بد أن تكون أخلاقياتنا منطلقة من نهج القائد المربي المصطفى محمد، صلى الله عليه وسلم، فقد عرف عنه أنه كان يركز على عبارة ''ما بال أقوام''. هذه كلمة لا يستطيع أي محام أو جهة أن تدين من يسلك هذا النهج، لأن التلميح يكفي عن ذكر الأسماء والتجريح بأصحابها، لأن في ذكر الأسماء انتهاكا لحقوق الغير، حتى وإن كان مخطئا، بل يعد نوعاً من تجاوز الحريات بدافع الرغبة في تصفية الحسابات أو حب البروز على حساب الآخرين. من أبرز الأمثلة، ما صدر عن إحدى المحاكم الكويتية من حكم بالسجن وغرامة مالية كبيرة لأحد الكتاب لاستخدامه موقعه على شبكة تويتر في التشهير لإحدى الشخصيات، وعدم اتباع أسلوب التلميح، وهذا إجراء جيد لا بد أن يطبق على الجميع بدون انتقائية، وعلى النقيض من ذلك قرأت مقالاً في إحدى الصحف الكويتية العام الماضي، يحتوي على هجوم ينقصه الأدب والعقل من أحد الكتاب على مجتمع عربي مجاور، ولكن من المؤسف أن صاحب المقال لم يتعرض للمحاسبة، مع العلم أن هذا المقال وما حصل له من ردود أفعال من أبناء البلد المجاور يعد من المحرمات ومن مهددات أمن كلا البلدين!
في مجتمعنا السعودي نحن في حاجة ماسة أكثر من غيرنا، إلى أخلاقيات الكتابة الصحفية، لأن المملكة تشتمل على تنوع قبلي ومناطقي، يتطلب تقبلا كبيرا واحتراما للغير، ولكن الملاحظ في السنوات الأخيرة ظهور بعض التجاوزات الصحفية سواء الورقية أو الإلكترونية التي تتعدى على شخصيات اعتبارية. لم نكن نعرف منذ سنين أن الكاتب في صحفنا يذكر في عموده أسماء الأشخاص إلا ما كان مدحا وإطراء، ولكن من المؤسف أن السنوات الأخيرة شهدت ظاهرة التهجم على الأشخاص، حتى وصل الأمر إلى أن يجعل كاتب العمود اسم الشخص الذي لا يوافقه في الرأي عنوانا لمقالته، ويشرع في تجريحه.
الأدهى من ذلك والأمر أن أطلقت بعض الصحف (من منطلق الإثارة الصحفية أو ما يسمى بالسبق الصحفي ونحوه) العنان لمثل تلك الكتابات التي تعد تجاوزا على حقوق الآخرين. مثلا هناك إحدى الأسر الكبيرة والمشهورة، ممن عرف أبناؤها بولائهم وانتمائهم التاريخي لهذا البلد، أن تعرض أحد أفرادها إلى تعريض ساخر، وكتابة غير منصفة من قبل أحد كتاب صحفنا اليومية، بما تضمنته تلك الكتابة من تقليل من قدره وجرح لكرامته، فما كان من كبار تلك العائلة (في ظل عدم وضوح الأنظمة المحاسبية) إلا أن توجهوا بخطاب شكوى لولاة الأمر، حفظهم الله، لرد اعتبارهم. السؤال المطروح الذي يحتاج إلى إجابة، أين دور الجهات الرقابية في وزارة الإعلام في مثل تلك القضايا؟ ولماذا يشغل كبار المسؤولين وولاة الأمر بقضايا شخصية حقوقية؟!
من الحلول لمثل هذه القضايا وضع ميثاق شرف صحفي يلتزم فيه الكاتب بالمهنية وألا تكون الكتابات الصحفية إقصاء للآخر، وهذا لا يتم ما لم يكن هناك جهة قانونية تتولى مثل تلك القضايا، وتتابع تطبيقها.
ختاما: ينبغي أن تكون الكتابة الصحفية هدفها الإصلاح وتثقيف المجتمع، وأن يراعي فيها الكاتب والجريدة التحري والدقة، والأهم من ذلك الحيادية والبحث عن الحقيقية، كما أتمنى أن تستمر تلك الصحيفة في خطها المتوازن البعيد عن الإثارة والتحريض.