الرمز ما بين العالم الواقعي والافتراضي
مع تطور وتوسع الاستخدام للشبكات الاجتماعية، ظهرت الدراسات التي تناولت مجتمع المستخدمين بشكل موسع للتعرف على خريطتهم الاتصالية ورغباتهم وميولهم، ومن ضمن المسائل المثيرة للاهتمام: شهرة بعض المستخدمين وارتفاع عدد متابعيهم، فرغم كون الشبكات الاجتماعية تمنح الجميع الإمكانات التقنية ذاتها للوصول إلى الناس وتمكنهم من حرية التعبير دون قيد أو شرط إلا أن المجتمع الافتراضي ما زال يشهد حضور الرمز والقائد للرأي العام والذي لم ينته رغماً عن النموذج الاتصالي الجديد القائم على المشاركة الأفقية والمتسعة لكل أفراد المجتمع، والتي أعطت فرصاً متكافئة وديمقراطية للأفراد ليعبروا عن آرائهم واتجاهاتهم. فهل اختلف الرمز بين الواقع والشبكات الاجتماعية؟ وهل مجرد تمكين الفرد العادي ومنحه فرصة التفاعل والإرسال في الشبكات يكفي للقول بتكافؤ فرص النجومية؟
في قراءة عابرة لقائمة العشرة الأوائل خليجياً الأكثر تأثيراً في تويتر في الأسبوع الثالث من شهر مارس 2012 والصادرة عن موقع تويبار والذي يعنى بإحصاءات موقع التواصل الاجتماعي نلحظ أن جميعهم من مشاهير ورموز العالم الواقعي ما عدا شخص واحد فقط كان من المشهورين من خلال اليوتيوب، بل إن متابعة لحساب الشيخ العريفي الذي يعد الأعلى متابعة في السعودية حيث يتجاوز مليون متابع تكشف لنا أن تغريدته صاحبة أعلى معدل انتشار، والتي يحث فيها على مقاطعة أحد المواقع الإعلامية، قد لقيت هذه التغريدة إعجاباً كبيراً وإعادة تغريد (رتويت) بشكل واسع تجاوز 4091 مرة وهذا يثبت أن الرمز (الواقعي) في الشبكات الاجتماعية ما زال متصدراً وقادراً وبشكل كبير على توجيه الناس وتعبئة الرأي العام، مما يعني بالتالي أن فرصة تكوين الشخص المغمور لجمهوره الخاص من خلال الشبكات الاجتماعية ما زالت صعبة مقابل قدرة مشاهير الواقع على تكوين قاعدتهم الجماهيرية، والأسباب في هذا كثيرة ضمنها: حداثة التجربة الاتصالية لدى أغلبية المستخدمين واعتمادهم على مرجعيتهم المعرفية السابقة في المتابعة في الشبكات الاجتماعية، فالبعض يتخوف من الأسماء الجديدة ولا يستطيع منح الثقة إلا لمن عرف وخبر من قبل، ومنها أيضاً اعتمادهم على الشهرة والنفوذ كأحد عوامل فعالية المصدر في الرسالة الاتصالية وهذا ما يتوافر في المشاهير المعروفين سلفاً.
ورغم ذاك فقد أفرزت لنا الشبكات الاجتماعية الكثير من الشباب واللامعين الذين لم يكونوا ليعرفوا لولا هذه الوسائط الإلكترونية، وقد أسهم الكثير منهم في صناعة الرأي العام وتوجيهه في العديد من القضايا، فوجود الرغبة العارمة لدى بعض المستخدمين بالصعود إلى عالم المشاهير والرموز في مجتمع الشبكات الاجتماعية جعلت الكثير منهم يسعى لمواكبة رغبات الجماهير في الآراء والاتجاهات، كما أن الرغبةذاتها في الحفاظ على الجماهيرية تجعل الكثير منهم يسعون لكسب ود متابعيهم من خلال المواقف والنقاش حول ما يهمهم، وبحسب دراسة أجريتها على عينة من طلاب الجامعات السعودية من الجنسين في عام 2012 فإن 58 في المائة من الطلاب عبروا عن رضاهم بشكل كبير عن إتاحة الشبكات الاجتماعية الفرصة للمستخدمين الراغبين في النجومية والبروز كما أن 68.5 في المائة منهم راضون بشكل كبير عن تمكن الشبكات الاجتماعية من إشباع حاجتهم في الحوار والنقاش مع الشخصيات البارزة وهو ما يعني أن الطلاب مهتمون بالتواصل مع الرموز والبارزين وهم أيضاً راضون عن إمكانات الوصول التي تمنحها الشبكات الاجتماعية لمن يريد الشهرة.
ورغم صعود بعض الرموز الجدد من الشباب المغمور سابقاً مشكلين الظاهرة الجديدة إلا أن الأمر ما زال بحاجة إلى المزيد من الوقت والدعم لمنح الفرصة العادلة لجميع المستخدمين للوصول إلى المزيد من المتابعين دون أن يستأثر رموز الواقع بالحصة الأكبر، وستبقى الشبكات الاجتماعية مؤهلة لصعود المزيد من النخب والرموز (الشعبية) على اختلاف اتجاهاتهم ما دامت ثقافة التعبير الحر تقود السباق الاتصالي فيها، ويبقى أن الوعي وحده هو القادر على كسر سلطة المثقف والنخبوي كمصدر المعرفة الوحيد.