السعودية.. إجراءات ملزمة للبنوك والصيارفة لحماية نزاهة النظام المالي
في ظل تنامي حجم الأموال المغسولة على مستوى العالم، والتي قدر صندوق النقد الدولي حجمها بما نسبته 2 إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنويا، في حين قدر خبراء قيمتها ما بين 3.61 إلى ستة تريليونات دولار، تضافرت الجهود الدولية والإقليمية في محاربة هذه الآفة الاقتصادية والمالية التي تفتك باقتصاداتها وبمقدرات ومكتسبات أسواقها المالية. وكذلك تسببت إلى جانب الأضرار الاقتصادية والمالية الكبيرة، في حدوث أضرار اجتماعية وأخلاقية وحتى سياسية لا تحمد عقباها، لكون الأموال المغسولة وغاسليها يعتمدون في عملياتهم - في المقام الأول - على ارتكاب أي فعل، أو الشروع بقصد إخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة، خلافاً للشرع أو النظام، وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر.
وترتبط بعمليات غسل الأموال العديد من الجرائم المالية والاقتصادية المخالفة للأنظمة والقوانين المشروعة في دول العالم، من بينها - على سبيل المثال لا الحصر - الاتجار في المخدرات، سرقة المال العالم أو الخاص، الاحتيال والاختلاس المالي، تجارة الأسلحة غير المرخصة وغير النظامية، تهريب الأموال، التهرب الضريبي والجمركي، تقاضي أو منح الرشوة، التستر والغش التجاري، مخالفة النظام المصرفي، الاتجار في بيع الأعضاء، الهجرة غير القانونية، وتجارة البغاء والجرائم البيئية.
#2#
وتمر عمليات غسل الأموال بثلاث مراحل رئيسة، هي: مرحلة الإيداع أو الإحلال Placement، مرحلة التغطية Layering، مرحلة الدمج Integration. بحيث يتم من خلال المرحلة الأولى عملية إيداع أو إدخال الأموال الناتجة من مصدر غير مشروع إلى النظام المالي، بإيداع مبالغ نقدية، أو بشراء أوراق مالية مقابل النقد، أو تبديل عملات، أو بشراء الأسهم وعقود التأمين، وتهريب النقد بين الدول. فيما يتم في المرحلة الثانية، والتي تتألف عادة من مجموعة عمليات تحويل الأموال ونقلها بغرض إخفاء أصلها ومنشأها غير النظامي وغير المشروع، وقد يشمل الأمر إرسال حوالات إلى بنوك أخرى، وشراء وبيع الاستثمارات والأوراق المالية وعقود التأمين والاستثمارات الوهمية، وإلى غير ذلك. فيما يتم خلال المرحلة الثالثة والأخيرة إعادة إدخال الأموال المغسولة مرة أخرى في النظام النقدي والاقتصادي والمالي المشروع، وذلك عن طريق شراء الأصول والأسهم، والأصول المالية الأخرى أو السلع الثمينة والاستثمار في العقارات والمشاريع.
أمام ذلك، تنبهت الحكومة السعودية كغيرها من بقية حكومات العالم، إلى مخاطر عمليات غسل الأموال وما تخلفه وراءها من أحداث وأضرار اقتصادية ومالية دامية، وأصدرت تبعاً لذلك نظاماً لمكافحة عمليات غسل الأموال في آب (أغسطس) عام 2003، والذي يجرم أفعال غاسلي الأموال وممولي الإرهاب في المملكة، كما حدد النظام الجرائم والمسؤوليات والعقوبات المترتبة على مخالفة أحكامه، بهدف الحد من اقتراف مثل هذه الجرائم. ويطبق نظام مكافحة غسل الأموال من خلال مواده ولائحته التنفيذية على جميع البنوك العاملة في المملكة، بما في ذلك على محال الصرافة، إضافة إلى ذلك تمت مطالبة جميع المؤسسات المالية بأن تضع سياسات وأنظمة وإجراءات وضوابط تتعلق بتحديد هوية العميل، وتطبيق مبادئ معينة ومحددة لمعرفة العميل، وبذل العناية الواجبة لتقييم المخاطر ومراقبة العمليات والإبلاغ عن حالات الاشتباه، بما في ذلك الاهتمام بعملية تدريب الموظفين وحفظ السجلات.
وأصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي وفقاً للصلاحيات والمسؤوليات المنوطة بها بموجب الأنظمة ذات الصلة، وكونها الجهة التنظيمية المسؤولة عن ممارسة التنظيم والرقابة والإشراف على البنوك ومحال الصرافة، عدداً من القواعد والتنظيمات التي ألزمت بتطبيقها، بهدف ضبط العمليات المالية والمصرفية التي تتم من خلال البنوك ومحال الصرافة وتنقيتها من عمليات غسل الأموال، ومن بينها - على سبيل المثال - نظام مؤسسة النقد العربي السعودي، ونظام مراقبة البنوك، ونظام مكافحة غسل الأموال.
وانطلاقا من مسؤولية مؤسسة النقد كذلك بضرورة حماية نزاهة النظام البنكي في المملكة، فإنها تقوم بمراقبة البنوك ومحال الصرافة، للتأكد من مدى تطبيقها الإجراءات السليمة لمبادئ ''اعرف عميلك''، والمحافظة على المعايير الأخلاقية والمهنية في العمل المصرفي، كما تشمل عمليات المراقبة والإشراف على تلك الجهات مراجعة سياسات وإجراءات هذه البنوك ومحال الصرافة، وملفات العملاء، بما في ذلك أخذ عينات من بعض الحسابات والمستندات المتعلقة بالحسابات لاكتشاف العمليات غير الاعتيادية أو العمليات المشتبه بها.
وإدراكا للخطر الذي يهدد النظام المصرفي العالمي والمؤسسات المالية على المستوى الدولي، جراء انتشار عمليات غسل الأموال، تم إنشاء فريق العمل المالي ''فاتف'' FTAF، الذي انبثق كهيئة عن مؤتمر قمة مجموعة السبع G-7 المنعقد في باريس عام 1989، ومن بين أبرز مهامه: مسؤولية فحص أساليب غسل الأموال واتجاهاتها، وإعادة النظر في الإجراءات التي اتخذت بالفعل على المستوى الوطني أو الدولي في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال، بما في ذلك تحديد التدابير الضرورية واللازمة لمكافحة غسل الأموال.
جدير بالذكر أن فريق العمل المالي قد تمكن في أقل من عام من إنشائه، وبالتحديد في نيسان (إبريل) 1990، من إصدار تقرير يتضمن مجموعة من التوصيات الـ40 توفر خطة شاملة من الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لمكافحة غسل الأموال. وفي عام 2001 وضعت معايير في مجال مكافحة تمويل الإرهاب، بحيث أصبحت المعايير المتفق عليها دوليا في الوقت الحاضر لمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب 49 توصية، منها 40 توصية تختص بعمليات مكافحة غسل الأموال، في حين تختص التوصيات التسع الأخرى بمكافحة عمليات تمويل الإرهاب.
وعلى الصعيد الدولي أيضاً في مجال مكافحة هذه الظاهرة، أنشئت مجموعة إجمونت Egmont، وهي عبارة عن هيئة غير رسمية تضم في عضويتها 106 دول، ومن بين مهامها توفير منتدى للوحدات المالية في مختلف أنحاء العالم، لتحسين التعاون في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتشجيع على تنفيذ برامج محلية في هذا المجال. وكذلك من مهام المجموعة، العمل على توسيع منهجية التعاون الدولي وأسلوبه في مجال تبادل المعلومات، بما في ذلك مجالات التدريب، وفي كل ما من شأنه تحسين قدرات الموظفين المعينين من قِبَل وحدات المالية في مجال مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
أما على الصعيد الإقليمي في الإطار ذاته، فقد قررت حكومات 14 دولة عربية، من بينها السعودية كعضو مؤسس خلال اجتماع وزاري عُقد في العاصمة البحرينية المنامة في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2004، إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من أجل مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب MENAFATF، والتي تعمل على غرار فريق العمل المالي.