نريد خطاً ساخناً حتى للشركات

من المؤكد أن الشفافية والرغبة الحكومية التي تؤكدها أعلى السلطات، خصوصاً في الإنفاق الحكومي على المشاريع الجبارة والتي لا تغيب عن الناظر في كل مدينة ومحافظة ومنطقة، قد ازدادت بشكل لم يكن معهوداً بهذا الوجه. والسبب بلا شك في رفع مستويات الشفافية لضمان تنفيذ هذه المشاريع بالصورة الصحيحة وجعلها تخدم ما عنت إليه في منظومة الاقتصاد الكلي بكل فاعلية وحرص بالغ من القيادة الرشيدة في جعل هذا الاقتصاد في النهاية واحداً من أقوى الاقتصادات العالمية المنافسة على المراتب المتقدمة في الترتيب. ولهذا الغرض وغيره أُنشئت أجهزة رقابية جديدة وسُنَّت قوانين وفُعِّلت أنظمة كان لا يعمل إلا بظاهرها على استحياء، وتتابعت الجهود الحثيثة في كل مناسبة من تأكيد على أهمية أعمال كل ما من شأنه التنفيذ لهذه المشاريع الكبيرة بوقتها الزمني دون إخلال بجودتها من خلال الرقابة الأكثر صرامة والمحاسبة الأكثر دقة.
وارتفاعا لهذا الحس الرامي إلى تضييق الخناق على الفساد والهدر الاقتصادي فقد لحق القطاع الخاص أيضاً بمثل هذا الهاجس خصوصاً في المؤسسات الكبرى وبالذات شبه الحكومية، كالشركات والمؤسسات أو حتى الصناديق التي يُدار جزء أو كل من أموالها بمنهجية الربحية والتي تمتلك الدولة فيها الجزء الأكبر إن لم تكن تمتلكها بالكامل. ولذا فقد هرعت تلك المؤسسات إلى تبني أساليب مختلفة في إدارتها وأقسامها المختلفة لكل ما من شأنه محاصرة الفساد المالي المباشر أو غير المباشر كالفساد في التوظيف أو تفضيل أحد على آخر بغير وجه حق. ومن أمثلة هذه الأساليب ما يُسمى الخط الساخن والذي يعتبر أسلوباً غير جديد لكن تطبيقه عادة لم يكن بالطرق الاحترافية التي تكفل نجاحه. والخط الساخن هو أي وسيلة اتصال ما بين المُبلغ لمخالفة والجهة المراقبة لأداء المؤسسة سواء كانت جهة رقابية داخلية في الشركة أو المؤسسة أو خارجها. وفيما أعرف أن هناك من الشركات الكبرى ما تطبق هذا الأسلوب وبدرجة نجاح معقولة جداً لكون تفعيل هذا النمط الرقابي قد هُيئ بشكل مهني صحيح يتفق وعوامل نجاحه.
إنني لن أدخل في شرح تلك العوامل ولكن الذي أراه واحداً من أبرز نجاح أسلوب الخط الساخن في كشف الفساد وتقليل امتهانه في أي منشأة هو الموثوقية في الإجراءات وتطبيقها حين يكشف موقع خلل أو فساد . فلو أن شخصاً قام وبلّغ عن حالة صحيحة ولم يحرّك ساكناً فيما بعد، واستمرت تلك المنشأة بالأسلوب المؤدي إلى الفساد نفسه، فذاك خدش للموثوقية والمصداقية ولن يكون أسلوب الخط الساخن هذا إلا عالة على النظام الإداري والمالي للمنشأة. إننا في حاجة إلى كل أسلوب إداري يقوّم الأساليب الخاطئة ويحد من التلاعب والفساد والذي طال أثره حتى المؤسسات والشركات في القطاع الخاص، على الرغم من وجود مراقبة ومحاسبة أكثر دقة من القطاع العام نظراً لطبيعة أسلوب إدارة المنشآت الخاصة مقارنة بالمنشآت العامة.
إن الحد من الفساد لا تقتصر مسؤوليته على هيئة أو ديوان، بل هو هاجس يجب على كل منشأة خاصّة أو عامّة أن تنتهج كل أسلوب مؤد إلى هذه الغاية شريطة أن تكون لهذا الأسلوب الرقابي موثوقية ومصداقية تأتي من واقع ما يتم عمله حين كشف خطأ ما حيث لا تكفي فقط البلاغات أو التحقيقات دون رؤية تصحيح يتفق وحجم المشكلة؛ لكيلا ننتهي بأسلوب صناديق الشكاوى والتي أظن في بعضها أنها لو استُخدمت لجمع المهملات لكانت أكثر فائدة.

أستاذ العلوم المالية المشارك في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي