الشبكات الاجتماعية.. مصنع القرار الجديد
يبدو أن الشبكات الاجتماعية ستعيد ملامح مراحل اتخاذ القرار لدى الجهات العليا؛ لا سيما ونحن نشهد تطور المشهد الاتصالي الذي يصدِّر الشبكات الاجتماعية كديوانية للمجتمع يتبادل فيها أخباره وآراءه وانطباعاته، فمنذ أحداث الربيع العربي التي استخدمت فيها الشبكات الاجتماعية للحشد الاجتماعي وتوجيه الرأي العام، التفت السياسيون والإعلاميون إلى قدرة الشبكات الاجتماعية على صناعة الرأي العام وأهميتها في اتخاذ القرار، وأدرك المستخدمون ''الشعوب'' أيضاً - على اختلاف مستوياتهم – قدرة الشبكات الاجتماعية على إيصال الرأي العام وصنع التغيير، وهو ما زاد الإقبال على الشبكات الاجتماعية، وأسهم في زيادة عدد المستخدمين. وإذا تذكرنا أن شرارة الثورة المصرية - مثلاً – انطلقت من الـ''فيس بوك''، وجدنا أن قيادة الرأي العام من خلال وسائط الإعلام الجديد صارت خياراً مطروحاً وقوياً أكثر من ذي قبل، وهو ما يعزز الاتجاه القائل بكون المجتمعات الافتراضية تقوم مقام المجتمع المدني في بعض البلدان.
وفي المملكة العربية السعودية شهد المجتمع العديد من حملات التصعيد في الشبكات الاجتماعية التي استهدفت التغيير وإيصال الصوت إلى صانعي القرار، ومن ذلك تضافر جهود المستخدمين في ''تويتر'' إبان توارد أنباء عن تغيير أسماء أبواب الحرم المكي وتعالي الأصوات المطالبة بإبقائها على ما كانت عليه، ولم يلبث الناس إلا قليلا حتى تم التراجع عن القرار، لمثل هذه الحادثة شواهد كثيرة تدل يقيناً على أن الشبكات الاجتماعية ليست للفضفضة والحديث فقط، بل هي مصنع للقرار الجديد، وأن الاستخدام الأمثل لها يجعلها منبراً للتغيير المنشود، من خلال التعامل معها كضمير حي ومراقب للمجتمع والبيئة، بل إن كثيراً من الحكومات تقيس الرأي العام من خلال الشبكات الاجتماعية ومدى استجابة وتأثر الناس بما يُكتب فيها من أخبار غير مؤكدة أحياناً، أو أخبار رسمية لقياس الرأي العام حول هذا الموضوع.
وحسب التقرير الأول حول الإعلام الاجتماعي في العالم العربي لعام 2011 الذي أصدرته كلية دبي للإدارة الحكومية في إطار برنامجها للحوكمة والابتكار، فإن مواقع التواصل الاجتماعي مثل ''فيس بوك'' و''تويتر'' ستواصل لعب دورها المهم في تنظيم الحراك الاجتماعي والمدني في العالم العربي، خاصة لدى شريحة الشباب، وبمراقبة تطور استخدام مثل هذه الوسائل في العالم العربي خلال عام 2010 لوحظ تنامي العدد الإجمالي لمستخدمي ''فيس بوك'' في العالم العربي بنسبة 78 في المائة من 11.9 مليون مستخدم في كانون الثاني (يناير) 2010 إلى 21.3 مليون مستخدم في كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، علماً بأن الشباب يشكلون 75 في المائة من مستخدمي هذا الموقع، وهو ما يعني أن الحراك الشعبي أسهم إيجاباً في جذب الناس إلى الشبكات الاجتماعية وطرحها كوسيط اتصالي قوي يثقون فيه ويسهمون من خلاله في صنع القرار.
إذاً يبدو أننا أمام ديمقراطية جديدة هي ديمقراطية الإنترنت التي آمل أن تعيد إلى الجمهور اعتباره كعامل أساسي في عملية صناعة القرار، وتعيد إلى الإعلام الاجتماعي دوره المنشود كصوت رقابي لا يمكن الاستهانة به.