أمانة المنطقة الشرقية والترقيع
قرأت هذا الأسبوع خبراً طريفاً ومحزناً في آن واحد وهو أن أمانة المنطقة الشرقية أقرت أن عمليات ''ترقيع'' طبقات الأسفلت ''السيئة'' التي ينفذها مقاولون متعاقدون، تستنزف موازنة الأمانة. يزداد الخبر طرافة حين تؤكد الأمانة الموقرة أنها ''انضمت'' إلى سكان المنطقة الذين انتقدوا التنفيذ السيئ من جانب مقاولي الأجهزة الخدمية، مثل المياه، والكهرباء، والاتصالات في عدد من شوارع الدمام، ما أدى إلى حدوث تشوهات وتشققات فيها. أريد أن ''أنضم'' أنا أيضاً لقائمة المستائين من غياب الرقابة على المشاريع ومن استهتار المقاولين الذين يبدعون بإعادة سفلتة الشوارع بعد انتهاء مشاريعهم المتكررة بأسلوب الفن التجريدي.
أليس من المفترض أن تكون للأمانة – في أي منطقة - مشاركة رئيسية وفعالة في عملية الإشراف المهني على قيام المقاول المُنفذ للمشاريع التي رُصدَ لها ميزانيات كبيرة تُقدَّر بمئات الملايين بإعادة سفلتة الشارع بشكل جيد وحضاري بعد إكمال المشروع عوضاً عن الشكوى من ''ترقيع'' الشوارع؟
معظم مدننا الرئيسية، وخاصة الدمام تعاني تكرار حفر الشوارع ثم ترقيعها، ثم حفرها ثم ترقيعها مرة ثانية وثالثة. مديرية المياه تحفر لتمديد شبكات المياه أو الصرف الصحي، ومقاول الكهرباء لديه حفرياته ومقاولو الهاتف والجوال أيضاً لديهم أسباب وجيهة للحفر، كل منهم في وقت مختلف والسبب طبعاً هو غياب التنسيق العام للمشاريع. أما النتيجة فهي للأسف استنزاف موازنات كبيرة، كما أن الحفر المتواصل والمتكرر يقلل من العمر الافتراضي للشوارع حتى أصبحت تشكل لوحة سيريالية مشوهة.
لا تكاد تسير في بعض شوارع وطرقات الدمام أو الخبر إلا وتصادفك النتوءات والتعرجات، مع أن الأمانة بشرتنا أنها صرفت مئات الملايين لسفلتة وصيانة تلك الشوارع حسب المقاييس العالمية. هناك أكثر من مجرد عملية ''ترقيع'' للشوارع، هناك سوء تنسيق بين الأجهزة الخدمية والأمانة وسوء إدارة لتلك المشاريع من الجهتين.
كل يوم نشاهد بأم أعيننا كيف يقوم المقاول بمهاجمة الشوارع الآمنة بشتى أساليب الحفر الحديثة والقديمة إما لتمديد كابلات كهربائية، أو أنابيب للصرف الصحي، أو كابلات الهواتف دون أي اعتبارات تُذْكَر لوسائل سلامة السكان أو المركبات أو المارة. المأساة أن الشارع المعتدى عليه لا يعاد ''ترقيعه'' إلى وضعه السابق أو حتى ما يشبه وضعه السابق.
أعتقد أن المشكلة تكمن في سوء التنسيق بين الأجهزة الخدمية والأمانة؛ ما يتسبب في حدوث تلفيات كثيرة في الشوارع وهدر للمال العام. بشرنا الإعلام أن هناك لجنة خماسية لتنسيق المشاريع الخدمية في المنطقة الشرقية ترأسها الأمانة، وتضم في عضويتها مديرية المياه، والمرور، والكهرباء، والاتصالات، وتعقد اجتماعاتها شهرياً للتنسيق بين بعضها في تنفيذ المشاريع، وتوحيد المعايير، وتبادل الخبرات والإمكانات. ولكن يبدو لي من تصريح الأمانة المعترضة على ''الترقيع'' أن اجتماعات هذه اللجنة، إن انعقدت، فهي تحصيل حاصل وشكلية، وأكبر دليل على ذلك هو اعتراض الأمانة الصريح والمُعلَن.
أليس من المفترض أن تحرص هذه اللجنة الخماسية الموقرة على أن يقوم المقاول المُنفذ للمشروع بإعادة ردم الحفريات بالشكل الحضاري والمطلوب؟ ليس هذا وحسب بل على اللجنة مسؤولية التأكد من إعادة الشارع كما كان عليه في السابق بدون تشققات أو تعرجات بعد عمليات الترقيع الجراحية المشوهة.
لن يتم حل مشكلة الترقيع في الدمام بين ليلة وضحاها، فقد انتهت الأمانة خلال السنوات الثلاث الماضية من تطوير ما يقارب من 28 حيا بتكلفة إجمالية بلغت 64 مليون ريال غطت مساحة إجمالية من الطرق والأرصفة قدرها 2.7 مليون متر مربع. شملت هذه المشاريع تطوير طبقات الأسفلت والمطبات الصناعية وصيانة وتطوير الأرصفة والجزر الوسطية ومحاور الأحياء الرئيسة في أحياء المزروعية والبديع والمنطقة المركزية والعنود والروضة وبدر وأحد والقزاز والزهور والسلام وعبد الله فؤاد والمريكبات والمحمدية. أملنا ألا نشاهد خلال الأشهر القليلة القادمة عمال مشاريع الكهرباء والهاتف والماء يجرفون هذه الأرصفة والطرقات لتوصيل إمداداتهم وأنابيبهم، وبالتالي ترقيعها؛ ما يتسبب في تشويه هذه الأحياء مرة أخرى.
كذلك يهمنا أن مشاريع الصيانة القائمة حالياً في أحياء المنار والبادية والناصرية والخالدية، والمشاريع المستقبلية لتطوير كل من أحياء الجلوية وابن خلدون والصفا خضعت لدراسات هندسية عالية المهنية لتفادي تكرار الحفر والترقيع، كما كان الحال في المشاريع السابقة. خطط أمانة الشرقية المستقبلية لصيانة وتطوير الأحياء متفائلة جداً، فقد بلغت ميزانية كلفة الصيانة للأعوام 1433-1436هـ نحو 90 مليون ريال؛ وذلك لصيانة وتطوير الأحياء في المنطقة.
لكي أكون منصفاً، لا بد من الثناء على أمانة المنطقة الشرقية في أمور أخرى وخاصة تشكيلها لجنة فنية لمتابعة وتحسين محطات الوقود في بلديات الدمام. المفترض أن تبدأ هذه اللجنة عملها حالاً لضبط المحطات لأنها مثل القنابل الموقوتة ومخالفة للشروط الفنية، ومشوهة للمنظر العام. المفترض أيضاً إزالة جميع المخالفات والملوثات البصرية بمحطات الوقود في المنطقة.
عودة لموضوعنا الرئيسي، أين نعلق الجرس؟ عند الأمانة طبعاً؛ فالأمانة مسؤولة أولاً وأخيراً عن وضع حد لهذه التصرفات السلبية. عندما ننتقد الأمانة فذلك من حرصنا على إبراز القيمة التنموية والجمالية والاجتماعية للمنطقة. أعلم أن بعض الأجهزة الخدمية تسعى لإنجاز المشاريع في أقصى سرعة ممكنة، ولكن لا يجب أن تكون هذه السرعة على حساب الجودة. المفترض أن تجري أمانة المنطقة الشرقية دراسات أولية لتحديد متطلبات تطوير شبكة الطرق والشوارع وتحديد أولويات الصيانة مع الجهات المعنية الأخرى.
المفترض أيضاً أن تقوم جميع الأجهزة الخدمية بوضع خطة لجميع المشاريع التي ستنفذها، وتحتاج إلى حفريات كبيرة، وتقدمها إلى الأمانة، بهدف تنسيق المشاريع بشكل أفضل. كذلك أقترح تحديد مسؤول وضابط اتصال بين الأمانة وبين الهيئات المنفذة للمشاريع لمتابعة تنفيذ هذه المشاريع على الوجه الصحيح.