تحويل النفايات البلدية إلى طاقة.. هل يشكل خيارا مجديا في المملكة؟
تواجه مدن العالم الكبرى، ومنها مدن المملكة تحديات متعددة، ذات صلة بالبنية التحتية، وتحديدا في مجال إدارة شبكات الطرق والمياه والكهرباء والصرف الصحي والنفايات البلدية.
وعلى الرغم من النمو المطرد في عدد سكانها وما يواكب ذلك من نمو في الطلب على الموارد والطاقة والخدمات، نجح عديد من المدن في الدول الصناعية في تحويل بعض تلك التحديات إلى فرص أسهمت في تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية وبيئية.
وهذه المقالة تسلط الضوء على مبادرات في مجال إدارة النفايات البلدية الصلبة التي تشكل أحد الحلول لواحد من تلك التحديات.
المشكلة والمعالجة
تقدر دراسة حديثة أعدتها شركة فروست وسوليفان الاستشارية، حجم النفايات الصلبة في المدن الخليجية بنحو 80 مليون طن سنويا، تشكل نفايات قطاع البناء والهدم 53 في المائة منها والنفايات البلدية الصلبة 33 في المائة، فيما تشكل النفايات الصناعية 14 في المائة من إجمالي النفايات الصلبة.
وما يهمنا في هذا السياق هي النفايات البلدية الصلبة، التي يقدر حجمها خليجيا بنحو 26 مليون طن، تشكل حصة المملكة منها نحو 65 في المائة أو ما يعادل نحو 17 مليون طن سنويا، الأمر الذي يجعل معدل ما ينتجه الفرد في المملكة سنويا من نفايات صلبة نحو 667 كيلوجراما، وهو من بين أعلى النسب عالميا حيث يصل في الولايات المتحدة إلى 776 كيلوجراما للفرد، وفي بريطانيا إلى 478 كيلوجراما للفرد، فيما يبلغ في الهند 38 كيلوجراما للفرد في السنة.
وتشمل النفايات البلدية الصلبة السلع المعمرة وغير المعمرة ومنتجات التغليف وعبوات التعبئة والنفايات المنزلية على اختلاف أنواعها ومخلفات الطعام والورق، ولا تدخل ضمنها النفايات الصناعية أو الزراعية أو الصرف الصحي.
وتقدر الدراسة توزيع النفايات البلدية الصلبة في المملكة على النحو التالي: نفايات عضوية وتشكل نحو 37 في المائة، ونفايات ورقية وتشكل نحو 29 في المائة، ونفايات بلاستيكية وتشكل نحو 12 في المائة، وتتوزع النسب الباقية بين نفايات متنوعة تشمل المعادن والزجاج والخشب وغيرها.
وتتمثل المشكلة في المملكة ودول الخليج في أن النفايات البلدية الصلبة يتم التخلص منها في مدافن أو محارق مخصصة لهذا الغرض، ما يشكل هدرا لموارد يمكن إعادة تدويرها أو استغلال مخزونها من الطاقة، ناهيك عن الآثار السلبية لتلك المعالجة على البيئة نتيجة لتلويث المياه الجوفية والانبعاثات الغازية وتحديدا غاز الميثان الذي يتسبب في الاحتباس الحراري.
إدارة النفايات .. المتطلبات والتحديات
عالميا، أضحت الاستدامة البيئية وإدارة النفايات من المواضيع الرئيسية التي تلقى اهتماما متزايدا في الدول الصناعية، يترجمه ضخ الاستثمارات في تأسيس بنية تحتية متكاملة لإعادة استعمال وتدوير النفايات وتقديم حوافز للمستثمرين في هذا القطاع، مدعومة بإقرار تشريعات تحظر إلقاء النفايات أو التخلص منها من خلال عمليات الدفن أو الحرق.
ووفقا لهذا المعطيات أضحت عمليات إعادة التدوير اليوم قطاعا تتجاوز قيمته 500 مليار دولار.
أحد الخيارات المستخدمة منذ عقود في معالجة النفايات البلدية الصلبة، التي اكتسبت اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة تتمثل في تحويل النفايات إلى طاقةWaste To Energy، الذي أصبح اليوم قطاعاً تتجاوز قيمته السوقية عالميا 3.5 مليار دولار.
ففي عام 2011، بلغ عدد تلك المحطات 668 موزعة كالتالي: 400 في أوروبا، 100 في اليابان، 89 في الولايات المتحدة، 79 في عدد من البلدان الآسيوية.
وتستخدم هذه المحطات تقنية حرق كتلة النفايات Mass Burn، وتراوح طاقاتها التصميمية بين 200 إلى 10 آلاف طن من النفايات الصلبة يوميا، يتم من خلالها استخدام الحرارة الناتجة من عمليات الحرق في التدفئة وتوليد الطاقة الكهربائية، فيما يستخدم الرماد الناتج في التشييد والبناء أو كسماد.
ويتطلب عمل هذه المحطات تجهيز شبكات واسعة لجمع النفايات ونقلها لضمان تغذية مستمرة لتلك المحطات.
ويتباين حجم النفايات البلدية المستخدمة لتوليد الكهرباء في الدول الصناعية وفقا للمساحات المخصصة للردم وتكلفة نقل النفايات، ففي الولايات المتحدة يستخدم 12.7 في المائة فقط من النفايات البلدية الصلبة لهذا الغرض، فيما ترتفع تلك النسبة إلى مستويات أعلى في الدول الأوروبية، حيث تراوح بين 18 في المائة في بريطانيا و65 في المائة في السويد، وتصل في سويسرا إلى 85 في المائة، وهي الأعلى أوروبيا.
وإضافة إلى استرداد محتوى الطاقة من النفايات تكمن أبرز مزايا هذه المحطات في تقليص حجم النفايات الصلبة بنسبة تراوح بين 60 و90 في المائة من حجمها الأصلي، وفقا لتركيبة النفايات والتقنية المستخدمة.
ونتيجة للتطور المستمر في تقنيات تشغيل هذه المحطات تحسنت اقتصادياتها، وأضحى بعضها مجديا اقتصاديا حتى عندما تكون أسعار البترول في حدود 40 دولارا للبرميل.
ومع ذلك تبقى عمليات تحويل النفايات إلى طاقة مكلفة نسبيا، حيث تبلغ التكاليف الاستثمارية لمحطة بطاقة 1.200 طن في اليوم نحو 150 مليون دولار.
ولهذا السبب فإن معظم محطات تحويل النفايات إلى طاقة تكون في الغالب ممولة من قبل البلديات أو من خلال مشاركة القطاعين العام والخاص (PPP).
#2#
ومن ضمن النفايات البلدية الصلبة تشكل النفايات البلاستيكية غير القابلة للتدوير الأكثر مناسبة لهذه المحطات بسبب محتواها العالي من الطاقة، حسبما يوضح ذلك الشكل (1)، الذي يبين نتائج دراسة قام بها مجموعة من الباحثين من جامعة كولومبيا نشرت عام 2011، وأثبتت أن النفايات البلاستيكية تأتي في المرتبة الثالثة بعد الغاز الطبيعي والبترول الخام لجهة كفاءة إنتاج الطاقة في محطات توليد الكهرباء.
وقدرت الدراسة حجم النفايات البلاستيكية غير القابلة للتدوير في الولايات المتحدة، التي تم دفنها في عام 2008 بنحو 28.8 مليون طن تعادل طاقة حرق 138 مليون برميل مكافئ من البترول لتوليد 2.500 ميجاوات من الكهرباء تكفي لسد احتياجات نحو 16.2 مليون وحدة سكنية من الكهرباء، وتقلص استهلاك الفحم بنسبة 10 في المائة. الجدير بالذكر أن إجمالي الكهرباء، التي يتم توليدها حاليا من النفايات البلدية الصلبة في الولايات المتحدة متواضعة نسبيا وتشكل ما نسبته 0.3 في المائة من إجمالي طاقة التوليد الكهربائية الأمريكية.
فرص تحويل النفايات إلى طاقة محليا
على عكس الدول الصناعية لا تزيد نسبة ما يتم إعادة تدويره من النفايات في المملكة ودول الخليج عن 5 في المائة من إجمالي النفايات البلدية الصلبة. وتقف وراء هذا الواقع أسباب عدة من بينها تدني تكلفة عمليات الدفن (Landfill) والتكاليف العالية نسبيا لعمليات جمع وفرز النفايات.
ومعالجة هذا الوضع تتطلب اتباع نهج متعدد الجوانب يتضمن إقرار التشريعات الكفيلة باسترداد الموارد من خلال التوسع في عمليات التدوير، والتعاون بين البلديات والشركات المتخصصة في إعادة التدوير بغية تأسيس بنية تحتية متكاملة لإعادة تدوير النفايات البلدية. وثمة حاجة ماسة لتثقيف الجمهور وتعزيز الوعي بفوائد إدارة النفايات وتشجيع المجتمعات السكنية على دعم ممارسات إعادة الاستخدام، وإعادة التدوير.
إقليميا تم الإعلان عن إطلاق مبادرات في هذا الاتجاه نذكر منها فرض إمارة أبوظبي تعرفةً جديدة على الشركات المنتجة للنفايات بواقع 225 درهما إماراتيا عن كل طن نفايات، وذلك بهدف تشجيعها على تقليص نفاياتها، والالتزام بممارسات إعادة التدوير والمعالجة.
وفي ذات السياق تطور دبي خططاً لبناء محطة مخصصة لتحويل النفايات إلى طاقة بقدرة على معالجة 6500 طن من النفايات يومياً لإنتاج 150 ميغاواط من الطاقة الكهربائيّة.
محليا يبدو الاستثمار في تحويل النفايات البلدية الصلبة إلى طاقة خيارا مناسبا بيئيا، لكنه قطعا يحتاج إلى حوافز ليصبح مجديا اقتصاديا. فعند أخذ معدل ما ينتجه الفرد في المملكة من نفايات يقدر إجمالي حجم النفايات الصلبة في مدينة الرياض بسكانها الـ 5.5 مليون بنحو 10.000 طن يوميا فيما يقدر حجم النفايات البلدية في جدة بسكانها الـ 2.5 مليون بنحو 4.500 طن يوميا.
وهذه الكميات الضخمة من النفايات الصلبة تحتاج إلى مدافن بمساحات شاسعة ذات إمكانية للتوسع المستمر في طاقاتها الاستيعابية، الأمر الذي يترتب عليه ارتفاع في تكاليف صيانتها. في المقابل إذا ما أخذنا حجم النفايات المتاحة في مدن المملكة تبدو الأمور جذابة لتوظيف اقتصاديات الحجم في بناء محطات تحويل النفايات إلى كهرباء مع إمكانية تشغيلها بصورة مستمرة.
لكن هذا الخيار يصبح مجديا اقتصاديا فقط عندما يزيد سعر بيع الكهرباء على 22 هللة للكيلوواط الواحد، إضافة إلى حصول المحطة على رسوم معالجة أو دعم من البلديات بما لا يقل عن 40 دولارا للطن، وكلا الأمرين غير متاح حاليا.
يبقى من المهم التأكيد على أن إعادة الاستخدام والتدوير ثقافة قبل كل شيء.. وللأسف ترسخت في المملكة ودول الخليج ثقافة الاستهلاك والإسراف العبثي على حساب الترشيد وحسن استغلال الموارد.
وفيما تتبنى مجتمعات الدول الصناعية سياسات ومبادرات تعيد تدوير ما تستهلك مرات متعددة وتحول غير القابل للتدوير من النفايات إلى طاقة كهربائية نواصل نحن إنتاج كميات متزايدة من النفايات وبدلا من إعادة استغلال أو إعادة تدوير القابل للتدوير منها نقوم بحرقها أو ندفنها والنتيجة هي خسارة موارد وتلوث بيئي متنام!