الخميس, 10 أَبْريل 2025 | 11 شَوّال 1446


دول الخليج تتجه لتأسيس هيئة عليا تنسق قرارات السياسة الخارجية

كشف الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية أمس، عن توجه دول مجلس التعاون الخليجي لإنشاء هيئة عليا تنسق قرارات السياسة الخارجية للدول الأعضاء، وذلك في إطار الإجراءات التنفيذية المقترحة بشأن مبادرة التحول إلى الاتحاد الخليجي التي دعا إليها أخيرًا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.

وأكد الفيصل أن من شأن هذه الخطوة إعادة ترتيب جماعي لأولويات الدول الأعضاء في المجال السياسي، وهو ما يحقق مصالحها الجماعية، التي تعد من المكاسب التي سيفضي لها الاتحاد في حالة تحققه، كذلك من شأنها في حال تفاوض دول الخليج الست بشكل جماعي مع دول أخرى في إطار اتحادي أن يعزز القوة التفاوضية لدولنا على نحو لا يمكن أن يوفره التحرك الفردي المجرد من أدوات الضغط الجماعي. جاء ذلك في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز نائب وزير الخارجية، خلال افتتاحه أمس في الرياض مؤتمر "الشباب الخليجي.. دول الخليج من التعاون إلى الاتحاد"، الذي ينظمه معهد الدراسات الدبلوماسية.

#2#

#3#

#4#

وقال الفيصل: إن من المكاسب الكبيرة التي سيفضي لها الاتحاد أيضا في مجال الدفاع، وتعود بالنفع على شعوب المنطقة، تحقيق التكامل الدفاعي ليشكل الضمانة الرئيسة لأمن دول الخليج كبديل عن السياسات الدفاعية المرتكزة على التحالفات الوقتية المبنية على المصالح العابرة، إذ تظل تلك التحالفات مرتبطة بهذه المصالح التي بطبيعتها متغيرة، ومن ناحية ثالثة فإنه في ظل مواجهة دول مجلس التعاون الخليجي أخطارًا غير مسبوقة ليس أقلها ظاهرة الإرهاب، فإن هذا التكامل سيكون مقدمة للتنسيق الأمني وما يستدعيه من تطوير للمؤسسات الأمنية الخليجية.

أما مكاسب المجال الاقتصادي، فأشار إلى أن اتحادا من النوع الذي تنشده سيجعل من دول الخليج كتلة اقتصادية قوية، بناتج محلي إجمالي بلغ عام 2011 أكثر من 1.4 تريليون دولار، مما يعني أن الاقتصاد الخليجي يمثل أكثر من نصف الاقتصاد العربي ككل، مضيفا "تمتلك دول مجلس التعاون نحو 630 بليون دولار من الاحتياطي النقدي الرسمي، ونحو تريليوني دولار من الاستثمارات الخارجية تشمل موجودات الصناديق السيادية، كما أن من المعروف أن دول المجلس تمثل سوقا موحدة قوامها 42 مليون نسمة؛ وسيصبح عدد سكان الاتحاد الخليجي (من دون الأجانب) 27 مليون نسمة، ولذا فإن جميع تلك المقومات ذات مردود لا يستهان به ومزايا سيكون مردودها عاليا اقتصاديًّا وسياسيًّا في حال انتقال مجلس التعاون إلى صيغة اتحادية".

وزاد وزير الخارجية: "شبابنا الخليجي، ينعقد هذا المؤتمر في وقت أصبح فيه جلّ اهتمام القادة، وصناع القرار، والمفكرين هو البحث في كيفية مواجهة التحديات الراهنة والمستجدات على الصُعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتأثيراتها على دولنا وشعوبنا، فتصعيد المواجهة بين إيران والمجتمع الدولي حول برنامجها النووي، واستفزازها المستمر لدول مجلس التعاون على نحو خاص واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني، إضافة إلى تداعيات ما تمر فيه العديد من دول المنطقة من تغييرات سياسية واسعة في إطار ما أصبح يعرف بـ(الربيع العربي)، كل هذه المستجدات تستدعي منا وقفة للتأمل وإرادة صلبة للتعامل معها حفاظا على مصلحة دول مجلس الخليجي، ووحدة أراضيها، وسلامتها الإقليمية، والسلم المدني واستقرارها ونموها. وتابع: "إن هذه التهديدات بأنواعها تستدعي العمل الجاد من قبل دول المجلس للتحول من صيغة التعاون الحالية إلى صيغة اتحادية مقبولة لدى الدول الست تكفل لها الأمن والاستقرار ومتانة الاقتصاد، وبالنظر لما تحظى به منطقة الخليج من أهمية بالغة نظرًا لموقعها الاستراتيجي المهم، ولما تملكه من احتياطيات ضخمة من النفط والغاز اللذين يشكلان أهم مصادر الطاقة في العالم، ومع تزايد التحديات والمخاطر التي تواجهها هذه المنطقة، علاوة على أن تجارب الأزمات والتحديات السابقة برهنت للجميع على حقيقة صعوبة التعامل الفردي من قبل الدول الأعضاء مع تلك الأزمات".

وأضاف: "في خضم ما يحيط بدول المجلس من تطورات وتحولات وأخطار تهدد استقرارها وأمنها ومكتسباتها، فقد أدركت السعودية أهمية التحول من صيغة التعاون إلى الاتحاد، وهي المبادرة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في كلمته الافتتاحية أمام قمة مجلس التعاون الخليجي الـ 32 في الرياض، وقد اكتسبت تلك الدعوة أهمية بالغة، ليس فقط لكونها صدرت من قيادة لها ثقل ووزن ومكانة خادم الحرمين الشريفين، بل لما صاحب هذه الدعوة المخلصة من تجاوب وتفاعل من قبل قادة دول الخليج لهذه المبادرة التاريخية وما تحمله في ثناياها من الرغبة الصادقة لنقل العمل الخليجي المشترك إلى سياق آخر أكثر تماسكا وتأثيرا".

وأضاف "لقد أثبتت مختلف الدراسات الاجتماعية أن مستقبل أي وطن أو مجتمع، يكون نابعا من طاقات عناصره الشابة، إنهم الركن الأساس الذي ينبغي أن تعتمد عليه المجتمعات في تنميتها وتطورها وحفظ أمنها واستقرارها وسعيها نحو الأفضل؛ لأن مرحلة الشباب ذات طبيعة نشطة في كل المجالات، خاصة لدى الجيل الناشئ، فنجد لديهم حب المشاركة وإثبات الذات والرغبة في إبراز قدراتهم في العمل الجماعي والوطني، لذلك ينبغي تشجيعهم وتحفيزهم وتذليل الصعاب التي تعيق من تطوير مهاراتهم وقدراتهم، وحثهم وتهيئة الفرص لهم للمشاركة في مختلف المجالات التنموية والمساهمة في الشأن العام، وتنمية مجتمعاتهم على المستويات كافة. وقد أثبت شبابنا الخليجي قدرته ومنافسته لشباب الدول المتقدمة في كثير من المجالات، وأكد قدرته على تحمل المسؤولية والقيادة والإسهام في التنمية والأمن والاستقرار".

ونوه الفيصل "لا يخفى على أحد أننا نعيش في عالم جديد يرسم معالمه الشباب في كل أنحاء العالم، لذلك نحن في دول المجلس فخورون كون أكثر من 65 في المائة من إجمالي سكان دولنا تقل أعمارهم عن 30 سنة، وهذا الأمر سيسهل من مهمة التطوير والإنتاج وبناء أوطاننا بما يخدم شعوبنا ومجتمعاتنا في نقله من مرحلة التعاون إلى مرحلة التكامل والاتحاد، حيث إن شبابنا الخليجي أثبت قدرته على الإبداع والمبادرة، وأنه متسلح بالحب والولاء لوطنه وأمته، وخير دليل على ذلك انعقاد هذا المؤتمر الذي تقوده نخبة من الشباب المستنير والقادر على التطوير، والذي يملك فكرا راقيا وخلاقا ساهم بفعالية في بناء أوطانهم".

من جهته، أكد الدكتور عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي أن التحديات والمتغيرات الداخلية والخارجية تغير أولويات مجلس التعاون وتتطور استراتيجياته ليتمكن من التعامل معها ويقوم بدوره الإقليمي والدولي في ظل هذه المستجدات، وذلك بعد أن كان الاهتمام يرتكز أو يكاد على الشأن الداخلي والعلاقات البينية بين دول المجلس لأسباب أمنية واقتصادية، مشيرا إلى أنه أصبحنا اليوم نواجه تحديات تختلف في طبيعتها وفي أهميتها وتأثيرها عن تلك التي كنا نواجهها قبل سنوات قليلة، وهو الأمر الذي جعلنا ننظر في تطوير تجربة مجلس التعاون على أنه أمر موضوعي ومهم، والعمل على إعادة صياغة أولوياته وأهدافه الاستراتيجية لتتماشى مع المتغيرات والأحداث التي نشهدها اليوم، مشددا على أن أمن المواطن الخليجي والازدهار في مقدمة هذه الأولويات .

واستعرض الزياني أهم هذه الأهداف الاستراتيجية، الذي تمثل أولها في تحصين دول المجلس وحمايتها من التهـديدات الداخلية والخارجـية كافة، بما في ذلك العدوان الخارجي الأجنبي، الإرهاب والجريمة المنظمة، والأنشطة الإجرامية العابرة للحدود الوطنية. قائلا إن الأمن الخليجي الشامل الذي نكتسب من خلاله القوة، وتتعاظم معه قدراتنا لا يتأتى للدول التي تعمل بمفردها، ونحن نؤمن بأن ضمان أمننا يعتمد، بعد الله، على القدرات الذاتية لدولنا وتكاملها وتعاضدها".

فيما تمثل ثاني الأولويات في المحافظة على اقتصاد قوي ومتنام لدول المجلس في مجالات الصناعات والتجارة والتمويل، وهنا أضاف "قطعت سوقنا المشتركة شوطًا طويلًا نحو تحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية، وذلك بأن يلقى المواطن الخليجي المعاملة نفسها في كل دولة من الدول الأعضاء، كما يتم العمل على تنفيذ مشاريع استراتيجية مشتركة، يأتي على رأسها إنشاء خط سكك حديدية عابرة لدول المجلس، وربط وحدات وأنظمة الكهرباء وغيرها من المشاريع التي ستجعل مجلس التعاون أكثر ترابطًا وتكاملاً في المجالات الاقتصادية كافة".

وتابع الزياني: يتركز ثالث هذه الأولويات في تحقيق مستويات عالية من التنمية البشرية، حيث تمتلك دول المجلس، كمعظم دول العالم، شرائح سكانية شابة يأتي تعليمها وتدريبها وتوظيفها على رأس أولوياتنا. أما رابع الأولويات فهو تمكين دول مجلس التعاون من التعامل مع الأزمات والكوارث بأنواعها كافة والتعافي منها، وهذا يتضمن جميع المخاطر بما فيها تلك التي قد تتعرض لها البيئة، حيث تم إقرار إنشاء مركز خليجي لإدارة الطوارئ لتنسيق ودعم الجهود المبذولة في هذا الشأن، إضافة إلى التفكير في إنشاء مركز إقليمي لرصد الإشعاعات ومستويات التلوث في الخليج.

فيما جاء خامس هذه الأوليات مركزا على تعزيز المكانة الدولية لمجلس التعاون للقيام بدور بناء وفاعل في حل القضايا الإقليمية والدولية، وذلك من منطلق المسؤولية التي يضطلع بها تجاه شعوبه وأمته، والعالم الذي هو جزء منه.

وبشأن انتقال دول المجلس من التعاون إلى الاتحاد، أكد الزياني أنه ينبغي النظر إلى هذا الموضوع من خلال المتغيرات والمستجدات والأحداث التي شهدتها وتشهدها المنطقة والعالم في الآونة الأخيرة، مشيرًا إلى أن دعوة خادم الحرمين الشريفين لتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد بين دول المجلس، تأتي استشعارًا منه بهذه المتغيرات والأحداث التي تعصف بالمنطقة، والمخاطر التي قد تنتج عنها.

من جانبهم، أكد شباب دول مجلس التعاون الخليجي، في كلمة ألقاها نيابة عنهم منصور التركي العنزي، أن دعوة خادم الحرمين الشريفين دول المجلس إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد لتجسد مدى حرصه على جمع الصف الخليجي ورغبته الصادقة في نقل الدول الأعضاء من صيغة التعاون الحالي إلى آفاق اتحاد أوسع من العمل المشترك، مشيرين إلى أن تأييد القادة لهذه المبادرة كانت هي الشعلة التي ألهبت فينا حماسا، وزرعت فينا أملا في اتحاد خليجي متكامل يعزز من قدرات شعوبه ويفتح أبواب مستقبل أوسع أمام شبابه، وبما يلبي الآمال في وحدة صفها وتعزيز تكاملها، واستمرار تعاونها خلال أكثر من ثلاثة عقود من عمر هذا التعاون لتتوج بالاتحاد بينها.

وقالوا: "إن الشباب في دول المجلس يمثلون نسبة كبيرة في مجتمعاتهم وهم عمادها، وهم ثروتها الحقيقية، لذا فإن تشجيع هؤلاء الشباب ضمن منظومتهم الوطنية للمساهمة في حراك العمل الخليجي المشترك سيعزز الدور المنشود بين أبناء المنطقة الذي يتناسب مع الدعم والرعاية التي تحظى بها هذه الفئة من قيادتهم الحكيمة، ومن هذا المنطلق فإن رغبة الشباب بالمشاركة الفعالة في التأكيد على أهمية الهوية الخليجية الواحدة لأبناء دول المجلس لم تأت من فراغ، بل تنبع من ضرورة أن الوقت مناسب للتأكيد والحرص عليها لما فيه مصلحتهم ومصلحة شعوبهم"، مؤكدين عزمهم على مواصلة العمل في ظل توجيهات قيادته ورموز سيادته من أجل تحقيق كل ما فيه الخير والازدهار لدول الخليج التي تربطها روابط العقيدة الإسلامية واللغة والدم والتاريخ والمصير المشترك، هذه الروابط العميقة المشتركة عوامل صلبه وراسخة بإيماننا وتطلعاتنا بتحقيق هذا الاتحاد.

الأكثر قراءة