المناقصات الأكاديمية والدور المفقود لوزارة التعليم العالي
طبيعي جداً أن نشاهد عروضا وإعلانات لمناقصات إنشائية في بناء مرافق جامعية، ولكن كم هو مؤسف ومخجل أن تعلن إحدى جامعاتنا الفتية عن رغبتها في تشغيل برامج السنة التحضيرية!!
فبادئ ذي بدء تجربة السنة التحضيرية ليست بالجديدة إطلاقاً، فقد كانت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الرائدة في هذا المجال، حيث تتصف برامجها بالحزم وتعويد الطلاب على الانضباط، ولكن على الرغم من أن غالبية المتقدمين لتلك الجامعة هم نخبة متميزة من طلاب الثانوية، فإن بعضهم قد لا يجتاز تلك السنة التحضيرية، حيث ينتقل إلى جامعة أخرى! ولكن لم نسمع في صحفنا من يعترض على تسرب بعض الطلاب من تلك الجامعة!
السؤال المطروح: من يُدرِّس مواد السنة التحضيرية في جامعة الملك فهد؟! تقوم الأقسام والكليات المعنية برسم الخطط الدراسية وكذلك القيام بتدريس الجزء الخاص بهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر جميع مدرسي مواد اللغة الإنجليزية هم من منسوبي تلك الجامعة وكذلك الحاسب الآلي وبقية المواد الأخرى!
بعدها بدأت جامعة الملك سعود تطبيق مبدأ السنة التحضيرية للكليات الصحية ومن ثم طبقت على الكليات العلمية، ولكن هذه التجربة لا تخلو من الإيجابيات والسلبيات، فمن مميزات ومحاسن تلك السنة أنها عودت طلاب جامعة الملك سعود (طلاب منطقة الرياض!!) مبدأ الانضباط، ولكن كم هو محزن أن رفعت جامعة الملك سعود نسبة الغياب في السنة التحضيرية من 15 إلى 25 في المائة!
واجهت هذه التجربة هجوما عنيفا من بعض الطلاب وأولياء الأمور وبعض الكتاب، حيث من أهم المآخذ على تطبيقها أن التدريس في غالبية مواد السنة التحضيرية باللغة الإنجليزية، وهذا ما يشكل عائقا كبيرا على كثير من خريجي الثانوية من الذين لم تسمح لهم ظروفهم الاجتماعية والأسرية بتطوير مهاراتهم مسبقاً، لذا فهذه المسألة تحتاج إلى إعادة نظر.
ومن المآخذ الأخرى على السنة التحضيرية في جامعة الملك سعود، اجتهاد إدارة الجامعة في تكليف بعض الشركات بتشغيل بعض البرامج الدراسية، مع العلم أن هناك أقساما متميزة وعريقة قادرة على تشغيل برامج السنة التحضيرية، لذا كم كنت أتمنى أن تُكلف تلك الأقسام العريقة بتشغيل تلك البرامج مع إعطائهم حوافز مادية ودعما لوجستيا.
من واقع معرفتي بخريجي السنة التحضيرية في الكليات الصحية وجدت أنها تجربة جيدة بل قد أجزم بأن تجربة جامعة الملك سعود قد تكون الأنسب لغالبية جامعاتنا الفتية، وهذا يحتاج إلى أن تقوم وزارة التعليم العالي بتكليف فريق من نخبة جيدة من أساتذة الجامعات، وأن يكون فيها ممن تحفظ على تلك التجربة في الصحف، يقوم هذا الفريق بعمل حلقات نقاش يحضرها مديرو الجامعات وكبار مسؤولي وزارة التعليم العالي بنقاشات مفتوحة وصريحة حول إيجاد آلية فاعلة لتشغيل السنة التحضيرية في جامعاتنا الفتية.
خلاصة القول إن التعليم لن ينجح ما لم يخضع للتقويم المستمر بكل شفافية، وأن تكون القرارات الخاصة بالتعليم مبنية على جهود مشتركة ومدروسة بعيدة عن الاجتهادات الشخصية.