الألعاب الشعبية.. ألفة ومحبة جمعت الناس قديماً وملأت فراغهم
كان للألعاب الشعبية القديمة دور رئيس وفاعل في تقوية الروابط الاجتماعية وبث روح الألفة بين أبناء الجيران من الأطفال والشباب وساعدتهم على تمضية أوقات فراغ مليئة بالأنس والمحبة في السابق، لأنها كانت تمثل التسلية الوحيدة لهم لانعدام أماكن الترفيه في الماضي، كما أسهمت هذه الألعاب في المحافظة على التراث الشعبي من الاندثار بوصفه من المورثات الشعبية التي يجب المحافظة عليها في الوقت الحالي.
استهوت هذه الألعاب الأطفال والشبان قديماً لسهولة تأديتها وبساطتها، وبثها روح الحماسة والمنافسة والتسلية والمرح لمؤديها لاعتمادها بشكل رئيس على المهارات والقدرات البدنية وخفة الحركة والمناورة والدقة والملاحظة والذكاء والتفكير وسرعة اتخاذ القرار في الوقت المناسبة.
واستعرض أحد المهتمين بالألعاب الشعبية القديمة المشرف العام على قرية المذنب التراثية في منطقة القصيم رئيس فرقة "باب طرحان" محمد بن إبراهيم الحواس، أسماء الألعاب الشعبية القديمة وطريقة لعب بعضها، وقال: إن الألعاب الشعبية كانت تمارس في الماضي في الزواجات والأعياد والعطل الأسبوعية وغالباً ما تمارس في أوقات المساء أما في الوقت الحاضر فتمارس خلال المهرجانات الصيفية ومهرجانات الربيع في مدينة بريدة ومحافظات ومراكز منطقة القصيم.
#2#
وأشار إلى أنه وفرقته يقومون بممارسة الألعاب الشعبية القديمة في سوق المجلس في محافظ المذنب أمام كبار السن الذين يقومون بدورهم في تصحيح بعضها وتعليمهم اللعبة بالشكل الصحيح والطرق الصحيحة التي كانت تمارس عليها هذه الألعاب في الماضي.
وبيَّن الحواس أن عدد الألعاب القديمة يتجاوز أكثر من ثلاثين لعبة بعضها مخصص للأولاد وبعضها مخصص للبنات ومعظمها يحتاج إلى الحركة والخفة والقدرة البدنية والذكاء ومنها لعبة "طاق طاق طاقيه.. رن رن يا جرس" ولعبة "شد الحبل" ولعبة "عظيم ساري.. أو عظيم لح" و"وحدة وحدة" ولعبة "حمد حمد" و"سبت السبوت" ولعبة "طار الطير" و"غلمطاء" و"الدنانة" و"الكعبة" و"سبع الحجر" و"المغبا" و"أم ثلاث" و" أم تسع" و"لعبة الوشيشا" ولعبة "النبّاطة" و"الدوامة" و"الدريفة". أما ألعاب البنات فهي "الخطة" و"حدرجا بدرجا" و"الدبق" و"فتحي يا وردة" و"الصقل أو المصاقيل" و"الطبة" و"آه يا بطيني" و"صبحكم بالخير يالعمال العمالية" وغيرها الكثير.
وقدَّم الحواس شرحاً تفصيلاً عن كيفية تأدية بعض الألعاب الشعبية القديمة, مشيراً إلى أن أكثرها شهرة هي لعبة "طاق طاق طاقية.. رن رن يا جرس"، حيث يجتمع مجموعة من الشباب يصل عددهم من السبعة إلى عشرة أشخاص بشكل دائري ويخصص واحد منهم لحمل الشماغ والطاقية, ويدور حولهم باستمرار ويردد: "طاق طاق طاقية.." ثم يرددون "رن رن يا جرس" ويستمر في إكمال الأهازيج بهذه الطريقة مع الدوران حولهم, ثم يضع الطاقية خلف ظهر أحدهم, وخلال دورانه يتحسس الأطفال خلفهم, ثم يأخذها الذي يجد الطاقية خلفه, وينطلق وراء من وضعها الذي يرمي الشماغ على الأرض ليأخذه اللاحق محاولاً اللحاق به وضربه من الخلف, ويقوم الملحوق بالدوران حول دائرة الأطفال ويتفادى ضربات اللاحق, حتى يجلس الملحوق في نفس مكان اللاحق ليكمل اللعبة مرة أخرى بالطريقة نفسها مردداً: "طاق طاق طاقية".
#3#
كما شرح الحواس لعبة قديمة لا تقل شهرة عن سابقتها وهي لعبة "حمد.. حمد" التي يطلب الجمهور تأديتها من الفرقة باستمرار ويتم تكرارها في المهرجانات, مفيداً بأنها من الألعاب القديمة جداً، حيث يجلس الطفل "محمد" ويقوم بتمديد قدميه فيأتي الطفل "حمد"، ويجلس في وضع السجود ويغطي وجهه، ويقف مجموعة من الأطفال يسار الطفلين فيأتي "محمد" ويضرب ظهر "حمد" ويقول "حمد.. حمد" فيجب حمد "لبيه لبيه" فيقول محمد: متى عرسك، فيجب حمد: ليلة الأحد، فيضرب على ظهره مرة أخرى ويقول من "طمر" يعني من قفز فيقفز الأطفال حمد ويخمن أو يتوقع من يطمره وعندما ينتهي الأطفال يقول محمد لحمد الحقه، فيكون حمد ممسكا بطرف الشماغ ويضرب أي طفل يمر من أمامه محاولين الرجوع إلى محمد، ثم يأتي آخر طفل يضرب ويعد هو الفائز في اللعبة ويجلس مكان حمد وتكرر اللعبة أكثر من مرة.
وأفاد الحواس بأن هناك ألعاباً تحتاج إلى خفة الحركة والمرونة مثل لعبة "وحده وحده"، ويتم تأديتها بوقف طفل يدعى "خالد"، ويمسك بين أصابع رجله اليمنى بطرف شماغ، ويكون الأطفال أمامه بمسافة عشرة أمتار، فيقول لهم وحدة وحدة، فيجيب الأطفال لعب الجحدة فيقول "خالد" ثنتين ثنتين، فيجيب الأطفال لعب البنتين، فيقول خالد ثالث ثالث، فيجيب الأطفال لعب البنات، ويكملون هذه الأهازيج، ومن ثم يقوم خالد بالشقلبة ورمي الشماغ في الهواء تجاه الأطفال، فمن يمسك بالشماغ وهو في الهواء يقوم بضرب الأطفال الذين يحاولون الهروب إلى خالد محاولين تفادي ضرب الشماغ.
كما تحتاج لعبة "المقامز" أو "سبت السبوت" إلى خفة الحركة والمهارة والقدرات البدنية العالية، وتعتمد على الخفة والرشاقة واللياقة أيضا، لأن مزاولتها تتطلب مهارة رياضية خاصة، وطريقة اللعب تبدأ بعد أن تجرى قرعة بين مجموعة من الأولاد لتحديد من يقع عليهم الدور في الانحناء والقفز من فوقهم، ثم يقف من تقع عليهم القرعة منحني الظهر كما في ضع الركوع، ويبدأ الأولاد الواحد تلو الآخر تخطيهم بوضع اليدين على ظهورهم بطريقة القفز بعد أن يبتعدوا عنهم لمسافة تصل لأمتار عدة ومن لم يتمكن من التخطي أو يقع على الأرض يكون عليه الدور في الانحناء ليقوم زملاؤه بالقفز فوق ظهره، وتبث هذه اللعبة روح الفكاهة من خلال الأطفال البدناء الذين يجدون مشكلة في القفز عند وقوعهم على الأرض، ثم تكرر اللعبة حتى يمل الأطفال منها وتنتهي.
#4#
وتعتمد لعبة "عظيم لح" على قوة الرمي وقوة الإبصار في الظلام والحس وطريقة تأدية اللعبة تتلخص في اجتماع خمسة أشخاص من الأطفال يمسك أحدهم بالعظم ويرميه في الظلام بكل خفة وسرعة باتجاه واحد مستقيم، ثم يبحثون عنه في الظلام، ومن يجده يمسك بالعظم ويعد اللعبة مرة أخرى، والطفل الذي يحصل على العظم مرات كثيرة يكون هو الفائز في اللعبة.
فيما تعتمد لعبة "أم ثلاث" وأم تسع "وأم خطوط أو الخطة" على الذكاء بالدرجة الأولى، فيما تحتاج لعبة "الدنانة" إلى التوازن، وهي لعبة قديمة عبارة عن عجلة دراجة هوائية يوضع لها عصا من الخشب أو الحديد بطرفه علبة معدنية، ويمسك الطفل بالعصا باليد اليمنى أو اليسرى من الأسفل، وينطلق بها وتحتاج العملية إلى توازن حتى لا تنفلت الدنانة عن العصا وتقام لهذه اللعبة المسابقات. كما تحتاج لعبة "سبع الحجر" إلى الدقة والمهارة في التصويب، وطريقة لعبها يجتمع أربعة أطفال يشكلون فريقين كل فريق من طفلين، ويضعون سبع أحجار أو علب معدنية فوق بعضها ويبتعدون عنها بمسافة سبعة إلى عشرة أمتار، ومن ثم يقومون بتصويبها بكرة صغيرة، وبعد ذلك يقوم الفريق الثاني بصف الحجر أو العلب بأسرع وقت ممكن، ويحاول الفريق الأول ضرب الفريق الثاني بالكرة ليمنعها من صفها، ويحاول الفريق الأول تفادي ضرب الكرة وصف الحجر أو العلب، فإن صفها قبل أن يضرب بالكرة يكون الفريق الأول هو الفائز، وإن ضربته الكرة يكون الفريق الثاني هو الفائز، ويتم تكرار اللعبة بهذه الطريقة.
وهناك ألعاب تمارس من قِبَل البنات مثل لعبة "طار الطير"، حيث تجتمع البنات الصغيرات بشكل دائري متقاربات من بعضهن البعض، ويتم اختيار واحدة منهن، فتقول "طار الطير" فيقلن "طار"، ثم تحاول لخبطتهن بالجمادات التي لا تطير، والتي تخطئ تخرج من اللعبة.
كما تمارس الفتيات الصغيرات لعبة أخرى تسمى "حدرجا بدرجا"، حيث يجتمعن على شكل دائرة ويضعن أيديهن على الأرض وتقول رئيسة اللعبة "حدرجا بدرجا" فيقلن: يا حبيبت اللؤلو كما بقى على رمضان سبع أيام تمام حيدها وباديها وضرب القوسي عاديها، وتمرر رئيسة اللعبة أصابعها على أيادي الفتيات الواحدة تلو الأخرى، ثم التي تقف عليه الحدرجا تقوم رئيسة اللعبة بضربها ضربة خفيفة وتطلب منها إبعاد يدها اليمنى وتضع اليسرى في الحدرجا ومن ثم تكرر اللعبة مرة أخرى بهذه الطريقة.
وتوجد هناك أهازيج للفتيات يرددنها عند وضع الحنا فيقلن "حنا بنات البدو يا زين حنانا لا وقنا مع الشرف كل يتمننا"، وأهازيج لعيد الأضحى المبارك "بكر بكر راح يناكر، وعقبه عقبه زقع اللقمه. وكشف الحواس عن الأهازيج التي تردد في المناسبات مثل العودة من الحج لشخص حج بوالدته فيجتمع الأطفال ويرددون "محمد حج بأمه غطاها بالفوطه عن المطر ونقوطه" ويرددون كلمات أخرى مثل: "عطونا حققانا عادت عليكم" ويطرقون الباب ويطلبون الهدايا والحلوى.