تحقيق الوعي وديناميكية «الفرز الفكري»
إن الإنسان يبدأ في اكتساب مبادئه و قيمة منذ مرحلة الطفولة ووجوده في أسرة تعلمه بشكل مباشر أو غير مباشر مفاتيح الحياة من مفاهيم وأسس وكل ما تشمل من عادات وتقاليد وجوانب دينية وتربوية واجتماعية، ويظل الإنسان في دور المتلقي حتى مرحلة الموت فقبلها هناك أشياء كثيرة يتعلمها الإنسان وتضيف إلى خبراته يوميا رصيدا جديدا من التجارب والعبر والديناميكية الفعلية لبناء الإنسان تبدأ عندما يقرر الفرد كيف يستطيع برمجة تلك المعلومات الهائلة في ذهنه وبالتالي توظيفها واستثمارها في القنوات الصحيحة.
ولعل البناء هو الأصل في حياة الإنسان شرعا وقانونا ومن المفترض أن كل ما نحصل عليه نوظفه في البناء، حيث إن صناعة الفرد أمر غير بسيط بل تتكلف كثير من الدول وتبذل كثير من المجتمعات الجهود الجبارة لصناعة الفرد وكل ذلك من أجل استخدامه في تطوير المشروعات المختلفة، وهذا يعني أنه يجب على كل فرد منا يعيش داخل مجتمعه أن يتعلم كيف يتحول من مستهلك إلى معطاء، حيث يكمن وعي الشعوب في درجة بنائها لأفرادها بل وبناء الأفراد لأنفسهم واستثمار عقلياتهم في بلورة مفهوم الإنتاج بكل ما يحمله المعنى من إيجابية، والحصول على تلك العقليات البناءة يحتاج إلى تصميم قاعدة قوية ومتينة من المدخلات التي تحتوي على غرس البناء في صناعة الذات، و جعل هذين العنصرين وجهين لعملة واحدة اسمها الوعي الفكري، ولا أتشاءم إن قلت إننا في زمن صعب جدا نحتاج فيه إلى مدخلات أعلى وثقافة أكثر جودة لنستطيع من خلالها تحقيق مفهوم الوعي الفكري والذي لا يصل إليه الفرد إلا من خلال ''الفرز الفكري'' وليس الثقافة الاجتماعية ابتداء من الأسرة هي كل شيء، بل ينطلق الفرد في مجتمع الأصدقاء في سن مبكر ليشكل قناعات جديدة إما أن تدعم ما في الحقيبة التي يحملها، وإما أن تمزق كل ما فيها، وما بين كل تلك المراحل يقفز الإعلام في سن الشباب إلى المرحلة الأولى ليتصدر عملية تشكيل المزيد من المدخلات، حيث تكون أكثر القنوات تأثيرا في الإنسان في مرحلة من مراحل العمر، وفي هذه المرحلة تحديدا يستطيع الفرد أن يختبر حقيقة كل ما اكتسبه من معايير ومحكات من خلال عملية ''الفرز الفكري'' التي يقوم بها تلقائيا عند تلقي أي معلومات، وهذا يعني أن الأمر يعتمد على الحصانة الفكرية والتي تكون السبيل المثالي والصحيح لتحقيق السلامة من خلال العمل للبناء وليس الهدم، والأمر لا يقتصر على مجال بعينه، ولكن الموضوع يشمل كل المجالات الدينية والفكرية والتربوية والاقتصادية وغيرها بمعنى أن تكون لدينا القدرة الكافية كي نبني أنفسنا لتقوم مجتمعاتنا.