لماذا تفشل برامجنا الإعلامية؟
أعترف بأنني لست متخصّصاً في الإعلام وفنونه حيث يوجد منهم محترفون في هذا المجال الرحب بكل مهنية، غير أنني أنظر إلى الموضوع الذي سأتناوله في الأسطر التالية من منظور اقتصادي بحت. فالثورة الإعلامية المتسارعة بجميع أساليبها مقروءة أو مسموعة أو مرئية خلقت أنواعاً مختلفة من المنتجات الإعلامية والمتعددة تباينت نجاحاتها أو إخفاقها بشكل كبير. فهناك برامج استمرت لسنين عديدة وأزمنة مديدة، بينما بعضها ربما لم يخرج إلى الملأ إلا لمرة واحدة وذلك بسبب إخفاقها.
لقد استفاد الوسط الإعلامي من بعضه بعضا في تقليد الأعمال الناجح منها أو تحسين تلك التي تدنت درجات نجاحها أو ابتكار منتجات جديدة، غير أن القاسم المشترك في النجاح عموماً هو درجة وصول هذا البرنامج أو ذاك إلى الجمهور الموجَّه له أصلاً ومَن عني إليه من مستمعين أو قارئين أو مشاهدين. ولذا فالبُعد عن الواقعية ومحاكاة البرامج الناجحة لمجرد أن يكون لدى هذه الوسيلة الإعلامية مثل هذا البرنامج الناجح في تقليد أعمى، فإن الفشل في النهاية سيكون حليف هذا المنتج.
وفي إعلامنا المحلي أو الإقليمي، وهو ما يهمنا، عديد من الأمثلة الناجحة ومثلها الفاشلة. ولن أسمي برنامجاً معيَّناً لكن ما أثار اهتمامي ما نشرته جريدة "الشرق الأوسط" في عددها يوم السبت 29 جمادى الأولى 1433هـ، عن برنامج اكتسب شهرة كبيرة في الإعلام المصري اسمه "الست غالية". وبرنامج "الست غالية" لا يعدو عن كونه برنامج طهي موجهاً إلى الطبقة الفقيرة، وذلك بوصف المقادير وكيفية طبخ وجبات لا تكلف كثيراً وتكفي لإشباع خمسة أو ستة أشخاص بما لا يزيد على 20 جنيهاً على مدار اليوم الواحد حيث تطرح مقدمة البرنامج بلغة محلية بسيطة يفهمها مَن وُجّه لهم هذا البرنامج . علاوة على ذلك أن مقدمة هذا البرنامج هي في الأصل من مستوى معيشي فقير، حيث تعرف تكاليف المقادير لهذه الوجبات وأماكن شرائها من الأسواق العادية جداً دون داع للبحث عنها في الأسواق التجارية المرتفعة الأسعار.
ومن الواضح هنا أن هذا البرنامج وكواحد من أهم أسرار نجاحه أنه يتحدث بواقعية إلى جمهوره ولم يخرج عن هذه الواقعية، وبالتالي لم يكن فقط تقليداً أعمى ومحاكاة لبرامج الطبخ المعتادة. ولذا فحين نتأمل في كثير من برامجنا الإعلامية المختلفة ولكونها أُوجدت ربما لملء الفراغ فقط أو تلبية لرغبة إكمال المنظومة الإعلامية دون النظر في واقعيتها في المجتمع، فستجدها فاشلة في أثرها هزيلة في محتواها. إنني أتأمل أن تكون هناك مراجعة شاملة لكثير من البرامج خصوصاً في الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي والتي لا يوجد لها أثر ذو بال غير كونها صرف أموال لمجرد إيجاد برامج لا تستحق المتابعة لبُعدها عن واقع الجمهور.