سلمان .. الهموم حين تتحداها عزائم الكبار
لا أحد يستطيع التنبؤ بحجم الهموم التي أرهقت سلمان بن عبد العزيز مذ كان شابا يافعا يدير منطقة بحجم الرياض، وحتى وصوله وهو الرجل الذي اعتاد معايشة الضغوط والمتاعب لوزارة الدفاع المعنية بحماية بلد بحجم قارة كالمملكة العربية السعودية.
هموم الأمير سلمان تبدو أكبر الآن، وهو يودع أحد أبرز مدارس القيادة والقدرة الإدارية التي عرفتها السعودية في عهدها الحاضر، يودع الأمير نايف بن عبد العزيز، ويقوم بنفسه بالإشراف على مباشرة استقبال الجثمان القادم من جنيف، وفي القلب غصة تظهر في صور الحزن الواضحة على أخ طالما كان المعلم والرفيق، وهو إلى ذلك كان دوما عضدا لإخوته الملوك.
علاقة الأمير سلمان بنايف (الرجل الكبير الراحل)، هي أكثر من كونها علاقة أخ بأخيه، إنها علاقة التكامل في معادلة الاستقرار لصنع منجز تفخر به الأجيال القادمة، إذ مثل الأمير الراحل - عليه رحمة الله - الضلع القوي الأمين لميزان الداخل عبر وزارة الداخلية، فيما مثل سلمان طوال الأشهر الماضية ميزان قوة الدفاع التي يراد لها أن تكون على قدر التحديات الدولية القادمة، وقبل ذلك كان ولا يزال القلب النابض لحالة استقرار اجتماعي استطاع من خلال مواهب منحها له الخالق، وعبر خبرة وفرتها له تجربة الحكم الممتدة لمنطقة الرياض مداواة جروح قبل أن تتقرح ويزيد التهابها.
#2#
إنها معادلة التكامل كما يراها الكثيرون في شخصي نايف وسلمان اللذين ظلا يحيطان الملك عبد الله بن عبد العزيز بشيء كبير من الاطمئنان للتخفيف من أحماله الكبيرة في مراعاه هموم الدولة الداخلية والخارجية، غير أن القلقين من أن غياب الأمير نايف قد يخلق فراغا كبيرا في البلاد، لا يعرفون الكثير عن بلاد تنجب مدارس قياداتها الكثير من أولئك الذين إن شغلوا مكانا ملؤوه بمثل ما كان يملؤه السابقون، حيث الملك فهد - رحمه الله - هو من شق الطريق لمدرسة نايف إلى النبوغ في ميادين الأمن حين سلمه مسؤوليات وزارة الداخلية عام 1975، ونايف هو من سن طريقا لسلمان ليقود منطقة الرياض منذ منتصف القرن الماضي، قيادة بارعة تحولت فيها من قرية صغيرة تحيط بها الصحار القاحلة إلى مدينة عصرية تنبض بالحياة.
ويشير مسن سعودي إلى المعنى الكبير لأن يكون الشخص متخرجا من مدرسة حاكم قاد أكبر وحدة في العالم العربي عرفتها القرون الأخيرة، مشيرا بذلك إلى الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، إذ يضيف أن التكامل والتعاون والاحترام هو ديدن التعامل، لتبقى البلاد مستقرة بعد أن عاشت فترة طويلة من الزمن شعوبا وقبائل متفرقة قبل أن تتوحد تحت علم واحد أرخى لها بفضل الله حبائل الاستقرار في لجات منطقة تهدر بحورها بفتن الليل والنهار.
خريجو هذه المدرسة - كما يشير المسن السعودي - لا يجدون غضاضة في إرهاق أنفسهم ليبقى البنيان موحدا، لا يبالون براحة الجسد وفي الذهن التزام بتطوير البناء، تتعب الأجساد ولكن الهمم لا تجد وقتا للراحة، همة مطبوعة على حب الخير والتسابق إليه، لتبقى صدور هؤلاء القادة الكبار مليئة براحة الإيمان، إيمان يتجسد بتوحيد الخالق ودعم أعمال البر والإحسان، ونفوس مطبوعة على التواضع والرفق وكراهية الطغيان.