الحجر والبشر في ميزان هيئة الأمم المتحدة

جاء دين الإسلام داعياً لترسيخ الثقافة بمفهومها الواسع لتشمل المحافظة على الإرث التاريخي للأمة الذي يعد جزءا من هويتها وتراثها.
وفي الوقت ذاته دعا لاحترام الإنسان ورفع من قيمته، وصان كرامته، وحفظ حقوقه، وأكد على قدسية وحرمة دمه فقد قال - صلى الله عليه وسلم: ''لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ على اللَّهِ من قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ''، وشملت هذه الحرمة والقدسية غير المسلمين، حيث عظمت الشريعة من حقوقهم واحترام إنسانيتهم وصون دمائهم، فقد قال - صلى الله عليه وسلم: ''من قتَلَ مُعاهَدًا لم يرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ وإِنَّ رِيحهَا تُوجدُ من مسِيرَةِ أَربَعِينَ عامًا'' (أخرجه البخاري).
وقد استوقفني انتفاضة واستنكار هيئة الأمم المتحدة ممثلة في أمينها العام بان كي مون الذي تصدر لشجب واستنكار تدمير إسلاميين لأضرحة أولياء في مدينة تمبكتو المالية، وفي الوقت ذاته تزهق أرواح إخوتنا في بلاد الشام بالمئات وفي ''أركان المسلمة'' وغيرها من بلاد الإسلام بشكل ممنهج يومياً وبأساليب غاية في الفظاعة والبشاعة واللاإنسانية أمام الرأي العام العالمي دون أن تلهب تلكم المشاهد المروعة مشاعر أعلى مؤسسة أممية حركتها إزالة ضريح لميت في بلد إسلامي؟ فلأجل ''حجر'' تحركت هيئة الأمم وانتفضت ولم يحرك لها ساكناً قتل الآف البشر (من المسلمين) بشكل ممنهج في أصقاع شتى من بلاد العالم.
فهذه الأضرحة والمعابد جاءت الشريعة بالنهي عنها والأمر بإزالتها كما في وصية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ‏لأبي الهياج الأسدي حيث قال: ''ألا‏ ‏أبعثك على ما بعثني به النبي ‏- ‏صلى الله عليه وسلم‏ - ‏أن لا تدع قبراً ‏مشرفاً إلا سويته ولا تمثالاً إلا ‏ ‏طمسته''. وجاء ضمن فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - حول هذا الموضوع قوله: على الأمير في القرية وعلى الحاكم في أي مكان وعلى السلطان ورئيس الجمهورية وعلى كل من له قدرة أن يساهم في إزالة الأبنية والقباب والمساجد التي بنيت على القبور، وأن تبقى القبور مكشوفة مثل القبور في البقيع في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم ـ وفي عهدنا الآن في المدينة وتكشف، ولا يكون عليها بناء لا مسجد ولا حجرة .. ولا قبة ولا غير ذلك؛ لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها وتجصيصها؛ لأن هذا وسيلة إلى أن يغلى فيها إلى أن تعبد مع الله. وهكذا لا يهدى إليها نقود ولا ذبائح ولا ملابس ولا للسدنة عندها أ.هـ.
ومع ذلك يظل أمر هدم وإزالة هذه الأضرحة الشركية شأنا داخليا لأهل مالي فمتى ما تحقق أن إزالة المنكر لن يترتب عليه منكر أعظم منه فالأمر سائغ في إزالتها بعد انتفاء الموانع الشرعية.
جدير بالهيئات والمنظمات الدولية بدلاً من انتفاضتها وحرقتها وتسخير إمكاناتها غيرة على الأحجار والأضرحة التي هدمت، أن تكرس جهودها وتوجه اهتمامها لرفع الظلم والقهر والحرمان والإذلال والقتل والانتهاك لأبسط الحقوق، حقوق الإنسان، التي تمارس عياناً على الإنسان المسلم الأعزل، فهو الذي له حرمة وقدسية كفلتها جميع الشرائع والأعراف الدولية وتجاهلتها منظماتنا العالمية التي تدعي حفظها لحقوق الإنسان وصون كرامته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي