الرياض مدينة النور
حين كنا صغارا ، كنا نتمنى أن تكون حاراتنا وأزقتنا بها أضواء، لننعم باللعب مساءا ،وخصوصا في شهر رمضان لتزيل خوف الطفولة من الظلام أثناء ذهابنا وإيابنا، ولتريحنا من استجداء أحد الكبار ليعمل لنا وبطريقة بدائية كشافا أو ( لمبة) تضيء لنا ملعبا لكرة الطائرة أو القدم. ونظل نلعب بسعادة بسبب ضعف النور، فنشعر وكأننا نلعب كرة قدم و( استغماية) !!
وبعد أن كبرنا وجدنا أن هناك حارات ليست بعيدة عنا كثيرا لم نكن نستطيع الوصول إليها ونحن صغارا؛وجدنا أن شوارعها مليئة بالكشافات والأنوار التي تنير أمسياتهم ، ولم نكن نعرف لِمَ لديهم أضواء وليس لدى بقية الأحياء أضواء!!
وبعد أن كبرنا أكثر وأصبحنا مسؤولين عن بيوت وأسر وفواتير كهرباء، أصبحنا لا نفكر في شيء مما مضى؛ فقط نهتم بدفع الفواتير في وقتها مهما كانت باهضة، حتى لا تُقطع عنا الكهرباء، ومع كل التزامنا بمواعيد الدفع فإن التيار طالما خذلنا وطالما انقطع، وحينها تضيق علينا الأرض بما رحبت، فننسى الأحلام الصغيرة، وننسى مرحلة الشباب والتي كنا نقارن حيَنا مع باقي الأحياء، فقط نتذكر اللحم والخضروات والتي تفسد بسبب انقطاع الكهرباء، ونتذكر أعطال المكيفات وجميع الأجهزة الكهربائية و...
وهذه الأيام أشاهد في حينا (شرق الرياض) عمالا حفروا العديد من الحفر وملؤوها مربعات اسمنتية ومسامير كبيرة( قاعدة لإنشاء أعمدة أنوار) ويبدو أن هذا الإجراء سيتم في كل أحياء الرياض وستصبح الرياض مدينة من نور!!
جميل أن يتحقق حلم الطفولة بعد 30 سنة!!
لست متشائما ولكني أخشى من انقطاع التيار بسبب زيادة الأحمال؛فدائما يلقى على أسماعنا هذا السبب.
ومن باب الإيجابية والتفاؤل فأنا أشعر بأن وجود القواعد الاسمنتية سببه أحد أمرين :
إما لإقامة الأنوار كما هو متوقع وهذا أمر جيد، وإما لتثبيت الأراضي حتى لا تطير!! وأقصد حتى لا تطير أسعارها، وهنا لا بد لنا من شكر شركة الكهرباء لمساهمتها في تثبيت أسعار الأراضي.
ومن زاوية أخرى يبدو أن شركة الكهرباء لا تعلم بأن أطفالنا في هذا الزمن لا يجرؤون على الخروج من المنازل لأسباب عديدة منها تغير ألعابهم ؛فجميعهم تلتصق براحة أيديهم الأجهزة الذكية بمختلف أنواعها، كما أن الخوف ازداد في هذا الزمن عليهم من العاطلين وسارقي السيارات.لذلك فهم لا يبرحوا منازلهم أبدا.
وأود أن أقول أخيرا أنه مع حلول شهر رمضان الكريم بدأت الكهرباء في شرق الرياض بمداعبتنا، حيث تقطع التيار لمدة ثانية ثم تعود بسرعة، هذه الثانية كافية لإفساد أي جهاز في المنزل، وبعد مرحلة جس النبض بدأت بإطالة فترة القطع تدريجيا حتى يعتاد المواطنون على ذلك، ولا ندري ما لذي سيحصل إذا بدأوا بتشغيل أعمدة الأنوار.