نحو وضع نظام للتعويض
بصدور نظام التنفيذ الجديد يكون برنامج خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله ــ قد وضع إضافة مهمة إلى منظومة الأنظمة القضائية التي كانت قد بدأت بنظام القضاء ونظام ديوان المظالم الجديدين، وحقق خطوة مهمة في مسيرته التطويرية المستمرة التي تستهدف إصلاح البيئة العدلية في المملكة. ويمكن القول بعد صدور هذه المنظومة القضائية إن القضاء في المملكة قد تمت إعادة هيكلته بشكل جذري، وأصبح لديه تنظيم شامل ومتكامل لجميع المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها واختصاصاتها وصلاحياتها. غير أنه من المهم جداً القول كذلك إن صدور هذه المجموعة من الأنظمة التي استهدفت الجانب التنظيمي Organizing تظل في حاجة إلى أن تعقبها خطوات تستهدف الجانب النظامي Legislation من بينها وضع نظام متكامل للتعويض يسد نقصاً يعانيه أفراد المجتمع سواء على المستوى المدني أو التجاري.
صحيح أن التعويض موجود في نظام القضاء في المملكة المبني على أحكام الشريعة السمحة، وقضاتنا الأفاضل يطبقون قواعد الشريعة الإسلامية المنظمة للتعويض، ومن ضمنها القاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار"، غير أن واقع قضائنا الوطني وطريقة تعامله مع طلبات التعويض ودعاوى الضرر لا يتناسبان مع الأهداف والمقاصد التي يعمل على تحقيقها هذا المرفق، كما لا ينسجم مع ما يعرف عن حرص قضاتنا الأفاضل على تحقيق العدالة، ولعل وجود أحكام قضائية أخذت بطريقة التعويض الجزافي وأحكام أخرى لم تأخذ بها يبين بجلاء حدوث التفاوت والاختلاف، وأود أن أشير في هذا الخصوص إلى ما ذكره بحق القاضي سابقا والكاتب في صحيفة "الاقتصادية" الشيخ محمد بن سعود الجذلاني بعد مراجعته عددا من الأحكام القضائية أن فيها إهدارا لكثير من الحقوق، وإقرارا لكثير من المظالم، وإبقاء لكثير من الأضرار التي جاءت الشريعة الإسلامية بوجوب رفعها، ورأى فضيلته أنه يجب إعادة النظر في آلية تقدير هذه التعويضات بما يتناسب مع حجم الأضرار الفعلية التي لحقت بالمتضرر، وبما يتضمن معنى الزجر أيضاً للمعتدي.
ولذلك فإن وضع آلية نظامية مكتوبة وواضحة للتعويض سواء في نظام مستقل أو ضمن أنظمة أخرى، سيحقق مزيدا من الوضوح وسهولة في التطبيق ويمنع حدوث تفاوت واختلاف في الأحكام القضائية للدعاوى المتماثلة. كما أن وجود مثل هذه الآلية النظامية التي تشتمل على القواعد التي يخضع لها التعويض وحالاته وصوره وشروطه وكيفية تقديره، سيسهم في تمكين الناس من معرفة حقوقهم والتزاماتهم والعمل على مراعاتها وتنفيذها في تعاملاتهم سواء المدنية أو التجارية، وذلك على غرار ما هو موجود في الدول الأخرى بما فيها الدول الشقيقة المجاورة.
ولعل من نافلة القول الإشارة إلى أن ما سبق لا يعني تقنينا للشريعة الإسلامية الذي يواجه تحفظات لها أسباب يمكن تفهمها وقبولها في هذه المرحلة، فضلا عن عدم ملاءمة التقنين في جميع المجالات، وإنما المقصود هو وضع أنظمة لبعض الأنشطة والمجالات التي تحتاج إلى سد فراغ أو يشوبها الغموض ويحدث فيها تفاوت كبير، وقد أحسنت الدولة عندما وضعت أنظمة لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية لبعض تلك الأنشطة والمجالات، مثل: نظام العمل، ونظام الشركات، ونظام الطيران المدني، ونظام التحكيم، وتقوم بتطوير تلك الأنظمة كلما دعت الحاجة إلى ذلك، ونأمل من برنامج خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء الذي يشتمل على منظومة من المبادرات التطويرية في مختلف الجوانب التنظيمية والبشرية والإدارية والتقنية لهذا المرفق الحيوي أن يكون هناك مبادرات في الجانب النظامي، ومن ذلك وضع نظام أو آلية نظامية متكاملة، ومكتوبة للتعويض تجبر الضرر، بما يتناسب وما أصاب المتضرر من أضرار مادية وغير مادية، وعلى نحو لا يتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية.