المطارات أكثر المواقع في العالم نشرا للأمراض والأوبئة
هذه أول دراسة تبحث في ديناميكية انتشار الأمراض في مراحلها الأولى وذلك في 40 مطاراً في الولايات المتحدة الأمريكية، ووجدت هذه الدراسة أن أكثر المطارات التي تسهم في نشر المرض ونقله من مدينته الأصلية إلى الأماكن الأخرى هو مطار كيندي الدولي في نيويورك تليه مطارات في لوس أنجلوس، وهونولولو، وسان فرانسيسكو.
وقد ذكر الباحثون في قسم الهندسة المدنية والبيئية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا عن نتائجهم في ورقة بحثية نشرت على الإنترنت في موقع PLoS ONE في 19 تموز (يوليو).
نموذج يركز على المراحل المبكرة قبل التفشي
خلال السنوات العشر الماضية رأينا عدداً من الأمراض التي تتفشى وتنتشر حول العالم، وفي عام 2003 لم يستغرق تفشي متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) وانتقاله من هونج كونج إلى 37 دولة أخرى سوى أسابيع قليلة، ليقضي على ألف شخص خلال انتقاله هذا، وفي عام 2009 قضت إنفلوانزا الخنازير على 300 ألف شخص حول العالم.
إن تفشي هذه الأمراض قد زاد الوعي بأن المسببات الجديدة للمرض يمكن أن تنتشر سريعا حول العالم بمساعدة المسافرين جواً
ولدراسة أنماط هذه العدوى، أعد العلماء نماذج رياضية تقوم بتجميع الأفكار من أنظمة شبكات معقدة وتوضح كيفية انتشار المعلومات في الشبكات الاجتماعية. وحتى الآن فإن هذه النماذج تركز على المراحل النهائية لتفشي المرض، وتبحث في الأماكن التي تظهر فيها أعلى معدلات الإصابة.
إلا أن باحثي معهد ماساشوستس للتكنولوجيا انتهجوا منحى آخر، فقد ركزوا على المراحل الأولى للأوبئة ومقارنة التشابه بين أنماط انتشارها من موطنها الأصلي إلى الأماكن الأخرى في 40 مطاراً من مطارات الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أخذ نموذجهم في الاعتبار أنماط السفر المختلفة للأفراد والموقع الجغرافي للمطارات، والصلات المختلفة بين المطارات وأوقات الانتظار في المطارات المفردة، ومن خلال جمع هذه العوامل معا توصلوا إلى إعداد نموذج يحاول أن يتنبأ بمكان وسرعة انتشار المرض.
واقترح الباحثون هذه الطريقة للبحث عن المشكلة التي يمكن من خلالها المساعدة في تقرير أفضل طريقة لاحتواء العدوى وتوزيع الأمصال والعلاجات خلال الأيام الأولى القليلة من تفشي المرض.
وقال البروفسير روبن جوانز الأستاذ المشارك والمتخصص في دراسات الطاقة في قسم الهندسة المدنية والبيئية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا للصحافة بقوله: ''إن عملنا هذا هو أول بحث يتناول الانتشار المكاني لعمليات العدوى في أوقات مبكرة، واستشراف ''البؤر'' – المطارات في هذه الحالة - التي قد تؤدي إلى الانتشار المكاني الخطر''
وأضاف: ''ويمكن لهذه النتائج أن تشكل تقييما مبدئيا لإستراتيجيات تخصيص الأمصال في حالة حدوث تفشي، ويمكن من خلالها إعلام وكالات الأمن الوطني عن أخطر سبل الهجوم البيولوجي في هذا العالم شديد الترابط''.
نموذج جديد أكثر واقعية
يتضمن هذا النموذج نمطين حركيين متضادين: أحدهما جيوفيزيائي والآخر بشري، ويأتي النمط الأول من دراسات جوانز حول تدفق السوائل خلال شبكات التكسير في الصخور تحت الأرضية، والثاني يأتي من دراسات مارتا جونزاليز في قسم الهندسة المدنية والبيئية والتي تتناول أنماط حركة الإنسان وتعقب عمليات العدوى في الشبكات الاجتماعية باستخدام بيانات الهواتف الخليوية. ومن خلال المزج بين مصدري المعرفة هذين، فإن نموذج معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ينبثق من توجه تقليدي يقوم على افتراض أن البشر يسافرون بطريقة انتشار عشوائي عندما ينتقلون من مطار إلى آخر، إلا أن النموذج الجديد يتسم بأنه أكثر واقعية، فالأشخاص لا يسافرون بطريقة عشوائية، بل يميلون إلى تكرار الأنماط نفسها.
وقام فريق بتطبيق طريقة مونت كارلو في الإحصاء الرياضي على الدراسات التي قامت بها جونزاليز على التنقل البشري وذلك لقياس المشابهة بين المسافر من مطار إلى آخر. كذلك فقد استبدلوا نموذج التدفق العشوائي التقليدي بآخر سموه نموذج ''الانسياب النشط'' الذي يفترض أن عملية الانتقال تقوم على أولويات المواد المتحركة. ويوضح نموذج التدفق العشوائي التقليدي أن أكبر المطارات حجما هو أكثرها تأثيرا ونشرا للمرض، إلا أن الفريق استطاع من خلال نموذجه الواقعي أن يثبت أن الأمر ليس كذلك
مطار هونولولو.. أقل ازدحاما لكنه الأكبر تأثيرا
يشير نموذج التوزيع العشوائي إلى أن مطار هونولولو يمثل 30 في المائة فقط من حركة الطيران في مطار كيندي الدولي في نيويورك وأن نصف المسافرين عبر هذا المطار يتجهون إلى سان فرانسيسكو والنصف الآخر يتجه إلى أنكوراج حاملين معهم الأمراض إلى هذه المطارات، ويمررونها إلى غيرهم من المسافرين، الذين يقومون بدورهم بنقلها إلى مزيد من المسافرين وفق أنماط عشوائية.
إلا أن النموذج الجديد الذي طرحه معهد ماساشوتس للتكنولوجيا ينظر إلى مطار هونولولو على أنه بالرغم من أن كثافة الحركة فيه تقل بنسبة 70 في المائة، إلا أنه فيما يتعلق بنشره المرض فإنه يؤثر إلى حد بالغ في مطار كيندي الدولي في نيويورك.
والسبب في ذلك مرجعه إلى أن مطار هونولولو يحتل موقعا فريدا في شبكة النقل الجوي، فهو يقع في المحيط الهادئ ويرتبط بمنافذ واسعة وكبيرة، لذا فإنه يأتي في المرتبة الثالثة في القائمة يليه فيها مطار سان فرانسيسكو، وتضم هذه القائمة 40 مطارا وفق تأثير انتشار العدوى. ومن بين هذه المطارات الأربعين اختبر النموذج تأثير انتشار المرض، ليضع مطار كيندي الدولي في المرتبة الأولى يليه مطار لوس أنجلوس ثم هونولولو، وسان فرانسيسكو وتيوارك وشيكاجو (أوهير) ثم مطار واشنطن (دلاس).
ويتصدر مطار أتلانتا هارتسفيلد - جاكسون الدولي قائمة المطارات من حيث عدد الرحلات، إلا أن النموذج يضعه في المرتبة الثامنة وفقا لمعيار تأثير العدوى- مطار لوجان الدولي في بوسطن - الخامس عشر.
وتقول جونزاليز الأستاذة المساعدة للتطوير الوظيفي في قسم الهندسة المدنية والبيئية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا إن الطريقة التي استخدموها قد تكون جديدة إلى حد ما إلا أنها قوية.
وتضيف جونزاليز: ''إن دراسة الديناميكية والانتقال البشري باستخدام أدوات شبكات معقدة، يمكن تطبيقها في مجالات عديدة مختلفة لتحسين وتطوير النماذج التنبؤية'' وتقترح أن ''الدمج بين طرق الإحصاء الفيزيائي بهدف وضع نماذج تنبؤية يكون لها بالغ التأثير في وضع النماذج الخاصة بالعديد من التطبيقات''.