«قباء».. أول مسجد بُني في الإسلام وثاني مساجد المدينة المنورة
يعد مسجد قباء الواقع في جنوب المدينة المنورة المسجد الثاني في هذه المدينة المقدسة بعد المسجد النبوي الشريف، من حيث الحجم والمساحة والفضل، إلا أنه تاريخيا يعد المسجد الأول الذي بني في تاريخ الإسلام.
ويرى الكثير من المفسرين أن مسجد قباء هو المقصود في الآية الكريمة (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة:108).
فهو أول مسجد أسس على التقوى وكذلك أول مسجد بُني في الإسلام، وقد ذكر ياقوت الحموي في كتابه ''معجم البلدان'' أن ''قباء'' أصله اسم بئر، وعُرفت القرية بها، وهي مساكن بني عمرو بن عوف، وسُمي المسجد بـ ''قباء'' لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في طريقه إلى المدينة مرَّ على ديار بني عمرو بن عوف وبنا فيها مسجدا فسُمي بمسجد قباء.
وتشير المراجع التاريخية إلى أن من بنى هذا المسجد هو الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وأصحابه ـــ رضي الله عنهم ـــ في السنة الأولى من الهجرة، ويقع مسجد قباء في الجنوب الغربي للمدينة المنورة، ويبعد عن المسجد النبوي الشريف نحو ثلاثة كيلو مترات.
ويُذكر أن المسجد كانت فيه بئر تُنسب لأبي أيوب الأنصاري ـــ رضي الله عنه ـــ وفيه ما يعرف بـ ''مبرك الناقة''، وهو محل نزول ناقة رسول الله بعد رحلة الهجرة.
أما في الفضل الديني لمسجد قباء عن غيره من المساجد فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ''من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة''، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى قباء تارة راكباً، وتارة ماشياً؛ فيصلي فيه ركعتين، وكان يفعل ذلك كل يوم سبت. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ''كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء راكباً وماشياً، زاد ابن نمير فيصلي فيه ركعتين'' رواه البخاري ومسلم، وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم: ''كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً، وكان عبد الله رضي الله عنه يفعله''.
واهتم المسلمون في العصور الماضية بمسجد قباء، فجدده الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم عمر بن عبد العزيز الذي أقام له مئذنة وهي أول مئذنة تُقام فيه.
وفي عام 435هـ جدده أبو يعلي الحسيني ووضع المحراب فيه، وفي عام 555 هـ جدده كمال الدين الأصفهاني، ثم جددت عمارته في الأعوام 671ـ 733 ـ 840 ـ 881هـ، وكان آخرها في عهد السلطان عبد المجيد الثاني في عام 1245هـ في زمن الدولة العثمانية.
وفي العهد السعودي قامت وزارة الحج والأوقاف بتعميره وتجديده مع الحفاظ على الطراز المعماري الإسلامي الخاص به، على يد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ فقد تمت توسعة المسجد ليستوعب عشرين ألف مصلٍّ.
وفي يوم الخميس 8 صفر 1405هـ وضع الملك فهد بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ حجر الأساس للبدء في التوسعة التاريخية وبعد سنتين من وضع حجر الأساس تم افتتاحه من قبل الملك فهد بن عبد العزيز ــ يرحمه الله ـــ بتاريخ 28 صفر 1407هـ.
وقد صُمم المسجد على أن يتوسطه فناء داخلي تُفتح عليه جميع المداخل، وخصص الجزء الشمالي منه مصلى للنساء، وأصبح للمسجد 4 مآذن و56 قبة، ويتبعه سكن للأئمة والمؤذنين ومكتبة وسكن للحراس مساحته 112م2 وسوق تجارية مساحتها 450م2 وبه 12 محلا، وعدد أبواب المسجد 7 أبواب رئيسة و12 بابا فرعيا.
أما دورات المياه التي للرجال فعددها 64 ووحدات الوضوء عددها 34 وحدة، وللنساء 32 دورة ووحدات الوضوء 42 وحدة، ويتم تبريد المسجد عن طريق ثلاث وحدات مركزية قدرة كل وحدة مليون و80 ألف وحدة حرارية.
وعلى مستوى الشكل الخارجي أصبح مسجد قباء علما فريدا شامخا في بنائه، ويبدو واضحا للعيان من مسافات طويلة بألوانه الطبيعية التي يسودها اللون الأبيض.