العيد.. كيف نبني فيه مفهوم السعادة؟
إن الخبرات هي محطة يتعلم منها الإنسان في حياته، والفرد الذي يمتلك وعيا كافيا هو الذي يوظف ذكاءه، وبالتالي يستطيع أن ينجح في الاستفادة من تلك التجربة واستبعاد الجوانب السلبية التي ربما يكون لها احتمال وارد في وقوع الخطأ. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك أحداثا أو مواقف يقيمها الإنسان انطلاقا من وجهة نظره الشخصية والطريقة التي يدرك بها الموضوع نفسه، وهذا يعني أن لكل فرد منا زاوية معينة يترجم بها مفهوما ما، وبالتالي فهو يتفاعل مع ذلك المفهوم انطلاقا من إدراكه المعرفي. هناك أشخاص ينظرون إلى العمل البسيط على أنه أمر معيب، وآخرون ينظرون إليه على أنه نوع من الكفاح والفخر، بل نجد أن هناك من يقترض المال من أجل تحقيق الرفاهية وليس الحاجة، وهناك عكس ذلك من الناس من هو في حاجة، لكنه لا يقدم على طلب القروض، بل يقتصد في حياته بقسوة حتى لا يضطر لأن يقترض، وهذا ما ينطبق على مفاهيم متعددة في الحياة. ولعل السعادة من المفاهيم المهمة التي يعجز كثير من الناس عن إجادة ترجمتها أو إيجاد الزاوية الحقيقية لتحقيقها، فكثير من الأفراد لديهم كل المتغيرات التي تحقق السعادة، لكنهم يشعرون بالتعاسة والاكتئاب ويعانون ألوانا من الأمراض النفسية، وهناك من هم على العكس تماما، لكنهم ينظرون إلى حياتهم بأنها سعيدة، بل ربما يصلون إلى درجات أعلى من التفوق والنجاح كنوع من التعويض وإثبات الذات.
ولعل مناسبة العيد هي من المناسبات التي تعتبر وقفة من وقفات سعادة المؤمن بصيامه، وهي مناسبة اقترنت بكثير من مظاهر الفرح وما يتضمنه من لقاء الأقارب والأصدقاء والمعارف بكل محبة ومودة، لكن هناك من الأفراد من حولوا الأعياد لساحة من المبارزات المادية بكل ما تحويه المظاهر من معنى، بل حتى ''العيدية'' التي هي رمز لفرحة الطفل تحولت لدى البعض وأصبحت نوعا من التنافس والتحدي السلبي بين الأقارب. ومن جانب آخر أصبح العيد مصدرا من مصادر الاستنزاف المادي دون تحقيق الاعتدال والتوازن، وعلى الرغم من هذا الاستنزاف المادي إلا أن كثيرا من هؤلاء الناس غير سعداء لأنهم دائما يسعون إلى تحقيق المزيد من ذلك الاستنزاف، وبالتالي فإن قناعتهم بأوضاعهم وظروفهم كثيرا ما يشوبها عدم الرضا والتذمر والاعتقاد الذهني بأنهم لم يصلوا لما يعتقدونه من معنى النموذجية الوهمية التي يطمحون إلى تحقيقها، لذا فإنهم لا يستطيعون إطلاقا الوصول إلى تحقيق السعادة بالمفهوم الحقيقي الذي تتسم به الأعياد والمناسبات الاجتماعية الأخرى، ومن هنا فإن التنشئة الاجتماعية لها نصيب الأسد في بناء تلك المفاهيم وتطويرها واستمرارية تمسك الفرد بها، ولعل الإنسان يستجيب لتجارب الحياة فتكون محكا ''لفترة'' المبادئ والسلوكيات الخاطئة.