إصلاح وتطوير الأنظمة التجارية في المملكة

تحدثنا في المقال السابق عن البنية النظامية في السعودية بصفة عامة والحاجة إلى مراجعة بعض الأنظمة، خصوصا القديمة منها وإصلاحها وتطويرها بما يواكب المستجدات والتطورات في مختلف المجالات. واليوم سنخصص الحديث في هذا المقال عن الأنظمة التجارية ومدى حاجتها إلى الإصلاح والتطوير والجهود التي قامت بها الجهة المعنية بالتجارة في الدرجة الأولى، وهي وزارة التجارة والصناعة. وسيكون تناولنا مراعيا الموضوعية والحيادية، فلن يكون هناك تطبيل ولا حتى مجاملة للجهود التي بُذلت في هذا الجانب من الجهة المعنية، كما لن تكون هناك ممارسة للنقد لمجرد النقد وجلد الذات، والذي أصبح بعض الكتاب ومقدمي البرامج مع الأسف الشديد يمارسونه عبر الصحف ووسائل الاتصال الاجتماعي والتقني من أجل الكسب الشخصي دون أن يعي هؤلاء أثره في رسم صورة سيئة للوطن والمواطن وما قد يولده هذا النقد غير الموضوعي من الضغينة والتحريض ضد الدولة وتأليب للناس على المسؤولين دون وجه حق.
لقد اهتمت المملكة منذ نشأتها بتنظيم النشاط التجاري، وظهر أول تقنين تجاري في عهد المؤسس الملك عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ عندما صدر نظام المحكمة التجارية عام 1350هـ لتنظيم التجارة البرية والبحرية، ثم ظهرت الحاجة إلى وجود أنظمة تجارية أخرى إما مكملة أو معدلة له، ومن أهم هذه الأنظمة نظام السجل التجاري الصادر عام 1375هـ، ونظام الوكالات التجارية عام 1383هـ، ونظام الأوراق التجارية الصادر عام 1383هـ، والمعدل عام 1409هـ، ونظام الشركات عام 1385هـ، ونظام مكافحة الغش التجاري الصادر عام 1381هـ، والمعدل عام 1404هـ، ونظام الدفاتر التجارية عام 1409هـ ونظام التحكيم الصادر عام 1403هـ والمعدل عام 1432هـ ونظام الأسماء التجارية عام 1420هـ، ونظام الاستثمار الأجنبي عام 1421هـ، ونظام العلامات التجارية عام 1423هـ.
وإذا ما أجرينا اليوم نظرة سريعة للأنظمة التجارية في المملكة التي تتجاوز أربعين نظاماً، فإنه يتضح أن النصوص والأحكام النظامية المنظمة للأنشطة والمهن التجارية موزعة بين تلك الأنظمة، وقد وضعت في تواريخ متفاوتة تمتد لأكثر من 80 عاماً، وقد أدرك الدكتور توفيق بن عبد العزيز الربيعة الحاجة إلى مراجعة الأنظمة التجارية المعمول بها حاليا وتطويرها بما يستجيب لمتطلبات العصر ويفي بحاجات الوطن، وما تتطلبه التطورات الاقتصادية، وكذلك التطورات في تنظيم الجهات القضائية وخصوصا المحاكم التجارية المتخصصة التي ستنشأ خلال الفترة القريبة المقبلة وفقا لنظام القضاء الجديد الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/87 وتاريخ 19/9/1428هـ، وقرر معاليه إنشاء وكالة متخصصة لمراجعة هذه الأنظمة وتطويرها.
ولا شك أن هذه الخطوة المهمة التي تنشد التغيير الإيجابي من خلال تعديل الأنظمة تستحق الإشادة، وسيكون لها أثرها المهم في تعزيز البنية النظامية التجارية من خلال العمل على تطوير الأنظمة الحالية بما يتواكب مع تطور المجتمع والمتغيرات التي حدثت في عالم التجارة محلياً ودولياً، غير أن هذه الخطوة المهمة تحتاج من الوزارة إلى أن تربطها بخطة وإطار زمني محدد لكي يتحقق التطوير دون تأخير، ولكي تُمكّن المحاكم التجارية المتخصصة التي ننتظرها قريبا من القيام بمهمتها بيسر وسهولة في ظل وجود تقنين تجاري شامل وحديث، كما تحتاج الوزارة ممثلة في وكالة تطوير الأنظمة إلى تعاون ودعم الجهات الأخرى ومن أهمها وزارة المالية والجامعات من خلال تقديم الدعم المالي والبشري الذي تحتاج إليه هذه الوكالة بما في ذلك توفير الكوادر المتخصصة في القانون التجاري والشريعة الإسلامية.
ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن القضاء لا يزال مقيداً بتطبيق مفهوم العمل التجاري وفقاً لنظام المحكمة التجارية الذي صدر قبل أكثر من 80 عاما، ولم يعد صالحاً لحكم الحياة التجارية في العصر الحديث، ومن الضروري الإسراع إلى إصلاح هذا النظام على نحو يراعي الأخذ بالاتجاه الحديث في النظام التجاري المقارن الذي يجمع بين المذهبين الشخصي والموضوعي، وبما يوسع من نطاق مفهوم العمل التجاري بما يتواكب مع مستجدات عصر العولمة الاقتصادية والاتجاهات الحديثة في الأنظمة التجارية المقارنة، ومن ثم تسري بموجبه أحكام النظام التجاري على التجار وعلى جميع الأعمال التجارية، وذلك على غرار الكثير من الدول ومنها دول الخليج العربية ومصر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي