صندوق «رأس المال الجريء» يدعم استمرارية نمو المشاريع الصغيرة
ما زال شباب الأعمال يعقدون آمالهم على تنفيذ فكرة صندوق تمويلي وعد بإطلاقه وتمويله عدد من الجهات الحكومية، لتحويل أفكارهم الاستثمارية التي تحتاج إلى تمويل لا يقل عن 500 ألف ريال إلى مشاريع واقعية.
وكانت تصريحات الدكتور إبراهيم العساف وزير المالية أوائل العام الحالي قد رفعت معنويات شباب وشابات الأعمال، والمتمثلة في إنشاء صندوق لتمويل رأس المال الجريء برأسمال يبلغ نحو 50 مليون دولار، والخاص بتمويل أصحاب مبادرات الأعمال من الشباب، وبالعمل مع الصندوق السعودي للتنمية الصناعية، وبنك التسليف والادخار، بالتعاون مع القطاع الخاص، كما لحقها إعلان لإحدى شركات الاتصالات عن نيتها توفير المبلغ، ودعم الصندوق به، الذي سيخصص لتمويل الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة الحجم في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات.
ويؤكد شباب الأعمال أن هذه الفرحة لم تدم كثيرا، حيث طوت الأيام فكرة الصندوق، وجعلته حبيس الأدراج، على الرغم من الترحيب الواسع من قبل اقتصاديين ومراقبين لحركة السوق، وما سيمثله "صندوق تمويل رأس المال الجريء" من دعم كبير لقطاع واسع من الشباب، الذين تنتهي أفكارهم بسبب عدم توافر المال لها.
ويرى عدد من شباب الأعمال، تحدثوا لـ"الاقتصادية" أهمية مثل هذه المبادرات وضرورة السعي في تطبيقها على أرض الواقع، متسائلين في الوقت ذاته عن سبب غياب المشروع بعد أن طرح في وقت سابق.
وقال فراس أبو زيد عضو اللجنة الوطنية لشباب الأعمال في مجلس الغرف، إن مشروع الصندوق، كان فكرة تبناها رجال أعمال، ويتمثل جزء من عمله في دراسة أفكار الشباب، وتحويلها إلى مشاريع، بعد توفير الدعم المالي لها، إضافة إلى أن الصندوق سيكون مستقلا ومغايرا عن المشاريع الأخرى التي تدعم الشباب، سواء الحكومية أو الأهلية، مبينا أن من مميزاته المرونة الأكثر في منح القروض والدعم للمشاريع الصغيرة، وبعيدا عن الشروط التي تطلبها الجهات الداعمة الأخرى، إضافة إلى سرعة البت في قرار المنح من عدمه.
وأشار أبو زيد إلى أن الحديث عن إنشاء صندوق رأس المال الجريء، كان في بداية العام الجاري، وأن شباب الأعمال طرحوا فكرة المساهمة في رأسمال الصندوق، وذلك لإيمانهم بأهميته وضرورته.
وأضاف "إن بعض الأمور التي حدثت لاحقا، أجلت متابعة الموضوع من قبل شباب الأعمال، ومن بينها إقامة معرض شباب الأعمال في جدة، وإن الرؤية في إنشاء الصندوق ما زالت غير واضحة"، مشيرا إلى أن إحدى الأفكار التي تم تداولها حول الصندوق تتمثل في تأسيس شركة، يكون الصندوق جزءا منها.
ويرى أن الجهة الرئيسة التي يجب أن تدعم المشروع من حيث رأس المال هم رجال الأعمال ممن كان لهم دور في طرحه، متوقعا أن يكون للصندوق دور إيجابي، خاصة أن من مميزاته قربه من الشباب ومن أفكارهم، إضافة إلى تخفيف نوع الضمانات المطلوبة من الشباب، على خلاف الجهات الأخرى كالبنوك وغيرها.
وبين أن الشباب المقبلين على إنشاء مشاريع صغيرة، يعانون كثيرا في سبيل تحصيل المال، وأن حجم رأس المال المطلوب في حدود 20 مليون ريال.
من جهته، يرى عدنان النهدي أحد شباب الأعمال، أن فكرة صندوق تمويل رأس المال تصب لصالح شباب الأعمال، نظرا لأهمية تعدد المصادر التمويلية، خاصة أن أحد أهم مشاكل الشباب في قطاع الأعمال تتمثل في التمويل، مبينا أن ذلك سينعكس بالدرجة الأولى على الشباب الذين لا ينتمون لعائلات ثرية، أو ليس بحوزتهم رأس المال الكافي، لذلك سيجدون في "الصندوق" خيارا جيدا لتحويل أفكارهم إلى مشاريع على أرض الواقع.
ولفت إلى أن دعم مشاريع الشباب ليست مكلفة، كما هي مشاريع الشركات الكبرى، كون غالبية مشاريعهم ليست بالكبيرة، وإن كان نوعها يحدد حجم رأس المال، إلا أنه من الأفضل أن يكون الحد الأدنى للدعم 500 ألف ريال وصولا إلى أربعة ملايين ريال، لأن دعم عشرة مشاريع بمثل هذا المبلغ، مع ضمان نجاحه واستمراريته، أفضل من دعم العشرات من المشاريع الصغيرة التي لا تستمر وتنتهي بسرعة.
ويرى أن وجود الصندوق سيساهم في تغيير سياسات الجهات التمويلية الأخرى، مثل البنوك، وستضطر إلى إعادة استراتيجيتها في التمويل، وذلك بسبب وجود منافس قوي لها، وفي النتيجة سيصب ذلك كله في مصلحة شباب الأعمال. وقال إن المشكلة التي تواجه الشباب تتمثل في رأس المال، ولا يغض النظر عن بقية العوائق، مثل إجراءات تسجيل الشركة وغيرها، ولكن يبقى رأس المال أكبر عائق أمام انطلاق أي مشروع، خاصة أن الهدف من إنشاء الصندوق وغيره من الصناديق التمويلية الأخرى، تسهيل العقبات أمام شباب الأعمال.
ويتجه فهد مؤمنة عضو لجنة شباب الأعمال في الغرفة التجارية الصناعية في جدة، إلى أن الخطوة الأولى في إنشاء الصندوق هي تحديد الجهة المشرفة عليه والداعمة له، كما أنه يجب أن يكون ذا كيان مستقل، وليس ضمن جهات أخرى تطوعية، وذلك لما سينعكس على إصدار قرارات التمويل، مبينا أن اللجان في غرف التجارة تطوعية، وحين يعرض عليها مشاريع لدراستها وتحديد من يستحق الدعم، سيأخذ ذلك وقتا طويلا، مؤكدا على أن تكون الجهة المسؤولة عن الصندوق حكومية، ويُخصَّص له طاقم متفرغ لدراسة المشاريع والبت فيها، كما يحدث في صندوق المئوية، إلا أن ما يعاب عليه معاناته من البيروقراطية، والتأخر في إصدار القرارات.
وأشار إلى أن أغلب الدول لا تبحث عن شركات عملاقة، وإنما عن شركات ناشئة لتنويع اقتصادها وتشجيع الاتجاه للاستثمار، لما يخلقه ذلك من فرص عمل وتنوع في الدخل، موضحا أن البنوك لا تتردد في تمويل الشركات الكبيرة ومنحها قروضا، ولكن الشركات الصغيرة لا تحصل على ذلك من البنوك. ويرى أن إنشاء صندوق سيدعم إيجاد شركات كثيرة سعودية، فضلا عن توفيرها وظائف.
ويؤكد أن شباب الأعمال يعانون عدم وجود داعم لهم، سواء جهات حكومية أو أهلية، فيما الجهات الداعمة الآن تضع شروطا كثيرة، إلا أن إنشاء الصندوق سيساهم في توفير الدعم، مقترحا أن يكون الصندوق شريكا أيضا في المشروع، حيث يشرف على دراسة المشروع، وسير عمله ومعالجة أي معوقات تواجهه، ويضرب مثلا بذلك أن أحد التجار في جدة يعمل بهذه الفكرة، حيث يشارك الشباب في مشاريعهم، ولكن بعد أن يطلع على دارسة جدوى المشروع، وأهميته، ثم يتابعه دوريا، وفيما هو مشارك في رأس المال، فهو يتقاسم جزءا من الأرباح مع الشاب صاحب المشروع، ثم بعد خمس سنوات يستقل الشاب بالمشروع، فيما يخرج رجل الأعمال برأس ماله الذي دفعه، تاركا الشاب مع المشروع الناجح.
كما نوه إلى أنه ما زال الدعم غائبا عن المشاريع الصغيرة التي تعاني 80 في المائة منها مشكلة في التمويل كإحدى أبرز العقبات التي تواجه المشاريع المتمثلة في رأس المال، وتتوزع بقية العقبات في الإجراءات الأخرى اللازمة مثل التصاريح والرخص وغيرهما.
وقال مؤمنة إن الشباب جادون في العمل على المشاريع، ولديهم أفكار يتمنون تطبيقها، ولكن تقف أمامهم مشكلة التمويل.
ومن جهة أخرى، يرى شريف عقاد خبير قانوني، ضرورة وجود كيان يدعم الشباب وأعمالهم، خاصة أن كثيرا من الشباب يشتكون من الشروط التي تضعها بعض الصناديق التمويلية الحكومية والأهلية، التي يكون بعضها شروطا تعجيزية أو لا ضرورة لها، مثل اشتراط الضمان والحصول على شهادات وغيرها.
ويرى أن تمويل الصندوق وإدارته من الأفضل أن تكون في يد رجال الأعمال، كونهم أكثر دراية وذوي مهنية أعلى، إضافة إلى كونهم مطلعين على السوق وطبيعته، على خلاف الجهات الحكومية التي لا تمتلك أدوات رجال الأعمال في إدارة المشاريع ورؤوس أموالها، متوقعا أن دعم أربعة إلى خمسة مشاريع، بمبالغ كبيرة، أفضل من دعم عشرات المشاريع غير الجيدة، التي تنتهي بسرعة.
من جانب آخر؛ يرى حمد العنزي الخبير المصرفي، أن إنشاء أو تأسيس صندوق تمويلي لمبادرات الشباب في قطاع الأعمال للمشروعات الصغيرة قد يكون أحد الحلول وليس الحل النهائي لمشكلة بطالة الشباب.
وبين أنه حتى مع الجانب الإيجابي للفكرة، تلبي شريحة معينة للشباب الذين لديهم أفكار للمشاريع ويحتاجون إلى رأس مال، ويعد من الجهود الإيجابية لكنها ليست الحل النهائي لمشكلة الشباب الذين ليس جميعهم لديهم أفكار مشاريع؛ لأن نسبة أصحاب مبادرات الأعمال الخاصة.
وأضاف "أن المشكلة لدينا ليست في رؤوس الأموال؛ لأن لدينا رؤوس أموال كبيرة كحالة عامة لاقتصاد المملكة، إلا أن الأولى إيجاد حلول جذرية للبطالة المتزايدة، آخذا في الاعتبار أن 50 في المائة من الشعب في سن العشرينيات، خاصة أن البطالة باتت تنمو من بداية التسعينيات".
وأشار العنزي إلى أن الصندوق لن يعالج البطالة أبدا، بل هو جزء من الحلول التي تعتبر تكميلية وليست أساسية، خاصة أن هناك جهات تمويلية أخرى داعمة للمشاريع الصغيرة، إلا أن العبرة في مثل هذه الأطروحات والتصريحات في النتيجة وليس بالإعلان عنها؛ لأن الأمور تقاس بالنتائج.
ولفت إلى أن الحلول لا بد أن تكون أفكارا جديدة وقابلة لربحية تعمل على توظيف الشباب وليس فقط تشغيل مشاريعهم، فلا بد أن تحتوي على حلول إضافية، فلا يمكن أن تدعم مشاريع صغيرة تستقطب عمالة أجنبية أخرى للسوق السعودية، فلا بد أن تكون ذات جدوى لحل مشكلة شباب آخر يعمل في المشاريع المؤسسة لشباب الأعمال.
يذكر أن المنشآت الصغيرة والمتوسطة تشكل نحو 85 في المائة من شركات القطاع الخاص في المملكة، وتحتوي المملكة على نحو 15 جهة تمويلية، ومن بينها "أوركس للتأجير التمويلي"، "البنك الأهلي التجاري"، و"البنك الزراعي العربي السعودي"، "البنك السعودي للتسليف والادخار"، "الصندوق الخيري الوطني"، "برامج عبد اللطيف جميل لخدمة المجتمع"، و"بنك الجزيرة"، "صندوق التنمية الصناعية السعودي (برنامج كفالة)"، و"صندوق المئوية"، "صندوق غرفة الشرقية لدعم المبادرين والمنشآت الصغيرة"، "مركز عبد الله الحمد الزامل لخدمة المجتمع"، و"المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني".