استراتيجية التخصيص والحاجة إلى مراجعتها وتحديثها
مضت أكثر من عشر سنوات على صدور قرار مجلس الوزراء رقم 1/23 وتاريخ 23/3/1423هـ، القاضي بالموافقة على استراتيجية التخصيص بصيغتها المعدة بناء على الأوضاع الاقتصادية والإدارية في ذلك الوقت. وقد شهد الوطن خلالها الكثير من التطورات والتغيرات في مختلف مجالات الحياة وجوانب التنمية الوطنية، من أهمها على مستوى الأوضاع الاقتصادية زيادة أسعار النفط المصدر الرئيس لإيرادات الدولة، وما ترتب عليها من ارتفاع في عائدات الدولة وسداد لديونها المتراكمة، وغير ذلك من التغيرات سواء الإيجابية أو السلبية كتحسن مستوى الدخل الفردي وارتفاع الأسعار واستمرار تفاقم مشكلة البطالة وانحسار الطبقة المتوسطة، وعلى مستوى الأوضاع الإدارية التضخم الشديد للجهاز الإداري الحكومي وزيادة العبء على الحكومة في عملية التنمية، نتيجة لاستمرارها للقيام بالدور الأكبر في عملية التنمية، كما قطعت الحكومة شوطا كبيرا في بعض المؤسسات والمشروعات والخدمات العامة المستهدف تخصيصها، وتوقفت أو تراجعت في مشروعات أخرى.
وبعد مضي هذه المدة الطويلة التي حدث خلالها العديد من المستجدات والتطورات، وأقرت الدولة خلالها خطتين للتنمية أكدت في خطة التنمية الثامنة ضمن أساسها الاستراتيجي التاسع على الاستمرار في الاهتمام بتهيئة المناخ الملائم لزيادة مساهمة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتكثيف المبادرات الحكومية لتشجيع الاستثمارات الخاصة، الوطنية والأجنبية، وتعزيز المقدرة التنافسية للمنتجات الوطنية. كما أكدت في خطة التنمية التاسعة بهدفها التاسع على تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتوسيع مجالات الاستثمارات الخاصة (الوطنية والأجنبية)، ومجالات الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وأكدت على أهمية تعميق الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتسريع عمليات التخصيص.
لا يزال واقع الحال لا يطابق بنسبة كبيرة ما دوّن في هذه الاستراتيجية، ولا يزال كثير منها غير موجود على أرض الواقع، ولا يزال القطاع الخاص غير مُمكّن بعد من القيام بدوره المهم في عملية التنمية، ونعتقد بأن هناك حاجة ماسة لإجراء دراسة تقييمية لهذه الاستراتيجية والنظر في مراجعتها وتطويرها. وينبغي أن تشمل تلك الدراسة أهداف الاستراتيجية وسياساتها ومدى الحاجة إلى تطويرها، وتشمل كذلك أساليب التخصيص وضرورة تبني أساليب جديدة تحقق عوائد اقتصادية واجتماعية يأتي في مقدمتها خلق فرص عمل للمواطنين، كما تشمل دراسة القضايا التي يجب معالجتها خلال عمليات التخصيص، ومن أهمها الإطار التنظيمي للقطاعات المستهدف تخصيصها، وكذلك البيئة النظامية والمناخ الذي تم توفيره لبرنامج التخصيص خلال الفترة الماضية، وكذلك بحث الحاجة إلى إدارة متفرغة تتولى الإشراف الكامل والتام على هذه الاستراتيجية ولديها صلاحيات تمكنها من أداء عملها، وأن تكون تلك المراجعة والتطوير في ضوء المستجدات والتطورات وبما يحقق أهداف الدولة في المرحلة القادمة المتضمنة تعميق الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتوسيع مساهمة الأخير= في الاقتصاد الوطني باتباع أفضل الوسائل المتاحة، بما في ذلك تحويل بعض أنواع النشاط الاقتصادي إليه، وأن يكون توسيع اشتراك القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية وتمكينه من القيام بدوره وفقا لما تضمنته خطة التنمية التاسعة.
ولعل من نافلة القول الإشارة إلى أن بريطانيا كانت أولى الدول التي طبقت سياسة التخصيص في الثمانينيات الميلادية أثناء حكومة مارجريت تاتشر، واستمرت في تطبيق تلك السياسة التي تستهدف رفع كفاءة الاقتصاد البريطاني ودفع القطاع الخاص نحو الاستثمار والمشاركة الفاعلة في التنمية، ولم تتراجع عنها حتى بعد زيادة مواردها المالية في الفترات الزمنية اللاحقة ولا يزال القطاع الخاص في هذه الدولة يقوم بدوره الفاعل والمنتج في التنمية، في حين لا يزال القطاع الخاص لدينا في المملكة يمارس دوره الضعيف وغير المنتج في التنمية، لدرجة أن وصفه البعض بالقطاع الطفيلي. وإذا كان يمكن أن نلتمس له العذر في بداية انطلاقة التنمية وقبل إقرار استراتيجية التخصيص، إلا أنه لم يعد مقبولا في هذا الوقت، وأصبح من الضروري الإسراع في تعزيز دوره ليعمل بكفاءة وفاعلية مع القطاع العام في دفع عملية التنمية الوطنية إلى الأمام.