مصادر الطاقة الأحفورية تفرض سيطرتها لعقود قادمة
اتضح تباين وجهات النظر خلال أطروحات المتحدثين في منتدى الطاقة العالمي بدبي أثناء جلسات اليوم الثاني من المنتدى، ففيما أكدت الدول المنتجة للنفط والغاز على أهمية الوقود الأحفوري واستحالة إزاحته كمصدر رئيس للطاقة لأكثر من 40 سنة قادمة، تحدث وزراء الطاقة في الدول المستوردة للنفط عن الفرص الواعدة لمصادر الطاقة البديلة ومدى ملاءمتها للبيئة وجدواها الاقتصادية المرتفعة.
كما أن مصالح بعض الدول وأجندتها السياسية لم تغب عن أطروحات ممثليها في المنتدى الدولي، فكما أشارت قطر إلى المستقبل المشرق لقطاع الغاز بصفته مستقبل الطاقة والصناعة، تحدثت إيران عن حاجتها المتزايدة لمصدر طاقة مستدامة، في تلميح إلى حاجتها للطاقة النووية، كما دعت إلى إبعاد القضايا السياسية عن قطاع النفط والغاز. كما تحدثت الإمارات عن خط الأنابيب الذي يصب في خليج عمان دون المرور بمضيق هرمز.
وتضمن اليوم الثاني من المنتدى سبع جلسات تحدث فيها أكثر من 40 وزيرا للطاقة من مختلف قارات العالم، تناول النقاش الوقود الأحفوري، الاقتصاد الأخضر، الطاقة البديلة والمتجددة، الكهرباء، كفاءة الطاقة، والطاقة في إفريقيا.
وفي تصريح لـ ''الاقتصادية'' ذكر عوض لبريك البرعاصي وزير الكهرباء والطاقة المتجددة في ليبيا، أن الطاقة المتجددة تعمل كمصادر مساندة فقط للمصادر الرئيسة، وقال ''نحن في ليبيا نعمل على إيجاد مصادر طاقة متجددة لتقليل الضغط على النفط وزيادة إنتاجنا النفطي. وأكد أن الجزء الرئيس من الطاقة لا يمكن تغطيته إلا بالنفط والغاز، وأضاف من المستحيل أن تتم تغطية حاجة العالم من الطاقة بالطاقة المتجددة، ولا يمكن الاعتماد كليا عليها، وزاد ''توافر الطاقة البديلة احتياطي يصل إلى 15 أو 20 في المائة من حجم الاستهلاك في أحسن الحالات.
وأوضح أن هناك مبالغة في إمكانات الطاقة المتجددة واصفا إمكاناتها بالمحدودة، وتستخدم فقط لتقليل حجم الاستهلاك للوقود لتقليل نسبة التلوث، كما تساعد على الاستفادة من درجات السطوع العالية والاستفادة من الشمس، وتوطين التقنية لصناعة ألواح شمسية.
وأكد أن ليبيا استطاعت استعادة كامل إنتاجها النفطي و90 في المائة من طاقتها الكهربائية بسبب جهود رغم حجم الدمار الكبير، وأضاف أن هناك مشاريع صغيرة في الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء من الرياح بقدرة إنتاجية تبلغ 60 ميغا واط، وسيتم الانتهاء من المرحلة الأولى قبل نهاية العام، وبنهاية المرحلة الثانية والثالثة ستنتج ليبيا 300 ميغا من الكهرباء من طاقة الرياح، كما ستبدأ الاستثمار في الطاقة الشمسية عام 2013.
وفي الجلسة الخاصة بالوقود الأحفوري، ذكر يوسف اليوسفي وزير الطاقة والمعادن في الجزائر، أن الزيادة في استهلاك العالم للطاقة الأحفورية مستمرة، وحجم الاستهلاك للطاقة الأحفورية سيزيد ما بين 50 إلى 60 في المائة خلال عام 2040، كما سيتضاعف استهلاك الكهرباء.
وأضاف: أن النمو المتزايد يبرز الحاجة إلى الاستثمار في موارد أخرى مثل الطاقة الهيدرولوكية والشمسية وطاقة الرياح وغيرها، مستدركا ''أن محدودية التقنيات وارتفاع التكلفة تحد من انتشار هذه الموارد، كما أن كارثة فوكوشيما تثير الشكوك حول استمرارية الطاقة النووية كمصدر فاعل. وأكد أن الطاقة المتجددة لن تزيح الطاقة الأحفورية على المدى القريب أو المتوسط، لافتا إلى أن العالم سيحصل على طاقته من الوقود الأحفوري حتى عام 2040، ولن تزيد مساهمة الطاقة المتجددة بجميع أنماطها عن 20 في المائة''.
وتوقع زيادة مساهمة الغاز في إنتاج الطاقة وزيادة في إنتاج الغاز ظل زيادة إمكانيات استخراج الغاز الصخري من مناطق إنتاج جديدة في إفريقيا ووسط آسيا. وقال ''سيبلغ حجم استهلاك العالم من النفط 110 ملايين برميل في 2040، ويجب على منظمة ''أوبك'' لعب دور أكبر لإبقاء الأسعار في الحدود المعقولة.
من جهته، أكد علي الصايغ رئيس المجلس العالمي للطاقة المتجددة، أن الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة تجاوزت 350 مليار دولار في 2011 ووصفها بأكثر المجالات استثمارا، وعلى عكس ما أكده ممثلو الدول المنتجة للنفط. وقال الصايغ إن الاستثمار في الطاقة المتجددة هو أفضل الاستثمارات كما أكدت وكالة جولدمان ساكس.
وأوضح أن التكنولوجيا حققت تقدما في الخلايا الضوئية وفي الطاقة المنتجة من النفايات، وأضاف أن الوقود الحيوي يستخدم في مجال النقل والطيران، كما أن تقارير علمية أفادت بإمكانية إنتاج النفط من الماء والهواء، وقال ''في ظل هذه الابتكارات، فإن مستقبل الطاقة البديلة مشرق جدا''.
وفي جلسة ''الاقتصاد الأخضر'' ناقش وزراء فرنسا وتايلاند وألبانيا وغواتيمالا تجارب بلدانهم في تحسين استهلاك الطاقة وزيادة الكفاءة، كما استعرض وزراء عدد من الدول.
في جلسة ''مصادر الطاقة البديلة'' مشاريع للطاقة البديلة في بلدانهم مثل الطاقة الهيدروليكية والجيو أرضية وطاقة الكتلة الحيوية والرياح. وخلال هذه الجلسة ذكر علاء البطاينة وزير الطاقة والثروة المعدنية في المملكة الأردنية أن بلاده فقيرة جدا بمصادر الطاقة، كما تواجه تحديات كبيرة وعجزا سنويا في الطاقة يبلغ 4.7 في المائة. وقال إن بلاده تستورد الطاقة وتخلط بين المصادر لاستيلاد الطاقة وخفض تكلفتها، وتسعى إلى التنقيب عن الغاز الصخري.
وقال إن وجود اللاجئين السوريين ونقص الغاز القادم من مصر أجبر الأردن على تسريع مشاريع في الطاقة المتجددة وأهمها طاقة الرياح، ونوه بأهمية مشاركة القطاع الخاص لمساعدة بلاده. الأسعار المرتفعة هي المحفز الأهم للتوجه إلى الطاقة المتجددة.
في حين، أكد محمد السادة وزير الصناعة والطاقة في دولة قطر، أن الاعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة سيستمر لعقود قادمة، مبينا أن الدوافع الرئيسة لاعتماد مصدر من مصادر الطاقة هو الجدوى الاقتصادية والكفاءة ووفرة التقنية.
ولفت إلى أن الزيادة في الاستهلاك تأتي من الاقتصادات الناشئة، وأن 80 في المائة من من حاجة العالم من الطاقة سيستمدها من المصادر الأحفورية.
وقال إن الغاز الطبيعي هو أكثر أنواع الغاز الأحفوري صداقة للبيئة وأكثرها فاعلية، سيشكل جسرا بين المصادر الكربونية والمتجددة، كما أن الطلب على الغاز سيرتفع بنسبة 60 في المائة حتى 2040، مشيرا إلى الحاجة الملحة لتطوير تقنيات الغاز والغاز المسال لتحقيق معادلة الطاقة والوصول إلى خليط الطاقة الأنسب. وقال إن الغاز سيحل مكان الفحم في الدول التي ما زالت تعتمد عليه بسبب ميزاته البيئية والاقتصادية.
وذكر رستم قاسمي وزير النفط الإيراني أن استهلاك إيران من الطاقة يرتفع بمعدل 5 في المائة سنويا، مبينا أن ذلك يحمل الحكومة الإيرانية عبئا شديدا، وزاد ''نظرا لزيادة حجم الطلب النفطي إلى 115 مليون برميل في اليوم بحلول اعام 2040، فإن الحاجة ملحة إلى استثمارات في الطاقة البديلة، ملمحا إلى حاجة بلاده الماسة للطاقة النووية.
وزعم أن الوقود الأحفوري لا يستطبع وحده تلبية الطلب العالمي على الطاقة، فضلا عن آثاره البيئية، ولذلك فإن الحاجة ملحة إلى طاقة مستدامة. وقال إن هناك دولا فقيرة بمواردها من الطاقة وهناك دول تمتلك احتياطيات ضخمة، وأن العالم يحتاج إلى تنظيم عادل ومستدام واستثمارات في الطاقة غير مرتكزة على معطيات سياسية، كما أن قطاعي النفط والغاز يحتاج إلى أبحاث وتطوير للتقنيات والموارد البشرية. ولفت إلى الأزمات السياسية وتأثيرها السلبي في الفترة الماضية على الاستثمارات في قطاع النفط والغاز، مؤكدا أن تسييس الطاقة كان له نتائج سلبية على الاقتصاد العالمي وخلق أزمات كبيرة.
وقال إن غياب التنسيق بين الدول أدى إلى عدم التكافؤ بين العرض والطلب، وأكد على أهمية إتاحة الفرصة للشركات المحلية للاستثمار بشكل أكبر في قطاع النفط والغاز، كيلا تحتكر التقنيات الأجنبية التقنيات وتسيسها، وتابع ''يجب على الشركات النفطية خدمة جميع الأطراف وعدم اتخاذ موقف سياسي لصالح طرف ضد آخر''.
ويرى الوزير الإيراني أن قطاع النفط مر بالكثير من المتغيرات وشهد نموا بطيئا، لافتا إلى وجوب إعادة النظر في الأسعار وعدم تكرار أخطاء الماضي، وأن يتم الحد من تأثير المضاربين والوسطاء، كما تجب زيادة مستوى التعاون بين المنتجين والمستهلكين، وأضاف أن إيران عضو في أوبك، وتملك 12 في المائة من الاحتياطي النفطي العالمي، كما أنها ثاني أكبر منتج للغاز في العالم، وتلعب دورا محوريا ومستعدة للعب دور أكبر.
وفي الجلسة التي ناقشت الكهرباء ذكر ميشيل سويز عضو مجلس إدارة شركة سيمنز، أن حاجة العالم للكهرباء ستتضاعف في عام 2030، وأن 1.5 مليار إنسان في العالم محرومون من الكهرباء، وفي 2040 سيبلغ عدد سكان العالم تسعة مليارات نسمة، ويحتاج ذلك إلى استثمارات بتريليونات الدولارات لتزويدهم بالكهرباء.