باحثون يناقضون معظم الدراسات: لا علاقة للبدانة بنقص النشاط الجسدي
في دراسة جديدة تتناول مقارنة لأسلوب حياة الإنسان الغربي بحياة إنسان الصيد (أي المجتمعات التي تعتمد في طعامها على الصيد والطراد وليس على الزراعة)، تحدى المؤلفون الفكرة التي تقول إن أزمة البدانة في العصر الحالي تعود إلى نقص النشاط الجسدي. ويشير الباحثون إلى أن التفسير الأرجح لذلك هو المبالغة في استهلاك السعرات الحرارية، خصوصاً الموجودة في المواد الغذائية الغنية بالطاقة في النظام الغذائي الغربي. وقد نشرت الدكتورة كاثرين بادوك هذه الدراسة الحديثة في مجلةPLoS ONE أخيرا.
ويصف الباحثون كيف أنهم قاموا بدراسة الاستهلاك اليومي من الطاقة لدى أفراد قبيلة هادزا، وهم مجموعة من الناس تعتمد على الطريقة التقليدية في الصيد والطراد وتعيش في مناطق السافانا المفتوحة في تنزانيا، ومقارنته بالنظام الغذائي الغربي. وهذه هي أول دراسة تستخدم قياسات مباشرة لاستهلاك الطاقة لدى إنسان الصيد، بدلاً من استخدام التقديرات.
وقد وجد الباحثون أنه على الرغم من أن أفراد القبيلة يمضون أيامهم في قطع مسافات طويلة في ملاحقة الحيوانات البرية والطراد من أجل الحصول على الطعام، كما كان يفعل أسلافنا قبل نحو عشرة آلاف سنة، إلا أنهم لا يحرقون سعرات حرارية بصورة يومية أكثر مما يفعل الإنسان الأمريكي أو الأوروبي البالغ.
وقد أجرى فريق الباحثين عدة تحليلات، حيث أخذ في الحسبان آثار وزن الجسم، والنسبة المئوية للدهون في الجسم، والعمر، والجنس، ووجد أنه لا يوجد فرق في الاستهلاك اليومي للطاقة بين أفراد قبيلة هادزا وبين الإنسان الغربي العادي.
بالتالي فإن هذه الدراسة تقلب رأساً على عقب النظريات السائدة والتي تقول إن السبب في أزمة البدانة يعود إلى المستويات المتدنية من استهلاك الطاقة في أسلوب حياة الإنسان الحديث، الذي يتسم بقلة النشاط الجسدي.
بل إن هذه الدراسة تقترح أن معدلات الاستقلاب في الجسم تظل ثابتة نسبياً ضمن المجموعات البشرية على اختلاف أنواعها، دون وجود تغير يذكر نتيجة للتباين الكبير في أساليب الحياة.
وهذا يعني بالتالي أن التفسير الأرجح للمستويات المتزايدة من البدانة في المجتمعات الغربية هو أنها تعود إلى زيادة مقادير السعرات الحرارية الناتجة عن استهلاك الطعام. ويلفت الباحثون النظر بصورة خاصة إلى الوجود المتزايد للمواد الغذائية الغنية بالطاقة في النظام الغذائي الغربي.
لكن المؤلفين يعترفون أثناء البحث بأنهم يشعرون بالحيرة بسبب هذه النتائج. وقالوا: "إن التشابه في مستوى استهلاك الطاقة اليومي لدى أفراد قبيلة الهادزا وبين المجموعات السكانية الغربية يتعارض مع الفكرة التي نعتبرها بدهية، وذلك بالنظر إلى أسلوب حياة الهادزا الذي يقوم على النشاط الجسدي القوي".
يتوصل المؤلفون إلى أن نتائج دراستهم، إلى جانب نتائج "الدراسات الأخرى التي تتناول فزيولوجيا عمليات الصيد والطراد، تشير إلى أن العلاقات المتبادلة بين فيزيولوجيا الاستقلاب والنشاط الجسدي والبيئة هي أكثر تعقيداً مما يظن الكثيرون".
وفي حديث إلى الصحافة قال كبير المؤلفين هيرمان بونتزر، الذي يدير مختبر التطور البشري وآليات الطاقة في هنتر كوليج في مدينة نيويورك، إن هذه النتائج تبرز مدى التعقيد في عمليات استهلاك الطاقة لدى الإنسان. وقال: "إن استهلاك الطاقة ليس عبارة عن علاقة تابعية بسيطة تعتمد على النشاط الجسدي، على اعتبار أن معدلات الاستقلاب لدى الإنسان يمكن أن تكون أقرب إلى كونها دلالة على ماضي الإنسان التطوري المشترك وليس دلالة على أساليب الحياة الحديثة لدى الإنسان المعاصر".
بل إن بونتزر وزملاءه يقترحون حتى أن "أسلوب الحياة التقليدي لدى الناس في البلدان النامية ربما لا يوفر لهم حماية من البدانة إذا بدأوا هم كذلك بتناول المزيد من السعرات الحرارية. معنى ذلك أن الجهود التي ترمي إلى تدعيم النظام الغذائي لدى السكان الأصحاء في البلدان النامية لا بد أن تتجنب إغراق هؤلاء الأشخاص بمأكولات فقيرة من الناحية الغذائية لكنها تشتمل على قدر كبير من المعالجة وعلى مقادير كثيفة من الطاقة".
يطالب المؤلفون بإجراء المزيد من الدراسات لاختبار وتجربة هذه المقترحات، وكذلك بدراسة العادات الغذائية والنشاط لدى قبائل أخرى من التي تعتمد على الصيد والطراد. ويضيف المؤلفون: "إن من الضروري الحصول على بيانات من المجتمعات البدائية من أجل وضع استراتيجية الاستقلاب البشري ضمن منظور تطوري شامل".
كما أنهم يحضون الناس على عدم الخروج بالمفهوم الخاطئ من هذا البحث، ويقولون إن التمارين الرياضية والنشاط الجسدي لا تزال من الأمور المهمة في سبيل بقاء الإنسان في وضع صحي جيد. يشار إلى أن الباحثين حصلوا على تمويل للدراسة من المؤسسة الوطنية للعلوم ومن جامعة واشنطون ومن جامعة أريزونا.