«الجيل الثالث» في الشركات العائلية غير مسؤول عن تفككها .. الأنظمة السبب
استبعد شباب أعمال ضلوع الجيل الثالث من أبناء الشركات العائلية في خلق المنازعات، وأن سبب نشوء الخلافات تعود في الأساس إلى طبيعة نظام مؤسس الشركة والجيل الثاني الذين غيبوا نظام العمل المؤسسي والدستور العائلي، وفي الوقت الذي يقلل الشباب من مسؤولية الجيل الثالث على انهيار الشركات العائلية، يحذر المختصون الاقتصاديون من قرب تلاشيها، بسبب الجيل الثالث من سلسلة العائلات المؤسسة.
وتأتي هذه التحذيرات، نظرا لما تمثله الشركات الضخمة من قوة اقتصادية، حيث تشكل 98 في المائة من حجم الشركات الموجودة في منطقة الخليج عائلية، ويبلغ حجم استثماراتها داخل المملكة ما يتعدى 250 مليار ريال، خاصة أن 45 شركة منها تعد من ضمن أكبر 100 شركة في المملكة تتجاوز عائداتها 120 مليار ريال وتوظف ما يقارب 200 ألف شخص.
وبحسب المختصين فهناك قرابة 15 مليار ريال مجمدة في الشركات العائلية، بسبب النزاعات بين أبناء العائلة، إذ تتسبب وفاة مؤسس الشركة بشكل كبير في انهيار الشركة أو فشلها أو تراجع نجاحاتها. علما بأن 33 في المائة من هذه الشركات، يديرها الجيل الثاني من العائلة، و15 في المائة فقط يديرها الجيل الثالث من العائلة، و4 في المائة من الشركات تصل إلى الجيل الرابع من العائلة.
''الاقتصادية'' توجهت إلى شباب الأعمال الذي ينحدر بعضهم من الجيلين الثاني والثالث لسؤالهم عن حقيقة النزاعات التي غالبا ما تنسب للجيل الثالث الذي يشكل نسبة كبيرة من الشباب، لمعرفة مدى تأثيرهم على هذه الشركات والأسباب وراء ذلك التنازع والتناقض بين الأجيال في محيط الشركات العائلية.
#2#
يؤكد معاذ العوهلي عضو في مجلس شباب الأعمال بـ ''غرفة الشرقية''، أن 80 في المائة من الشركات العائلية تنتهي في الجيل الثالث بحسب إحدى الدراسات الاقتصادية، لأن هناك توافقا إداريا وفكريا بين جيل المؤسس والجيل الثاني في الشركة، ثم يأتي الجيل الثالث وتكبر العائلة لتبدأ الخلافات التي لن تكون فيها التنازلات التي كانت موجودة بين الأخوة من الجيل الثاني.
وأشار إلى أن الشركات العائلية حالها كحال الشركات الأخرى، لكن مشكلتها أن المؤسس يدير الشركة بطريقة الرجل الفرد، ثم يبدأ أن يسلم أبناءه إدارة الشركة في إطار واحد، تأتي الخلافات عند رحيل المؤسس تبدأ الشركة بالتزعزع بالجيل الثاني إلا أن العلاقة الأخوية تحاول أن تجعل الشركة تتماسك لآخر لحظة، وتكون هناك تضحيات بينهم، إلا أن الجيل الثالث لا يضع أي اعتبارات للعواطف وتعود الزعزعة من جديد، خاصة أن الشركات العائلية في الغالب لا تحرص على تأهيل الجيل الثالث من أبناء العائلة، ثم المساواة داخل الشركات العائلية هناك تباين في المناصب، فهناك من يتقلد منصبا قد لا يتناسب وتخصصه، وهناك عوائق تنشأ كعدم تكافئ فرص الأبناء، ومساواة الأبناء مشكلة أخرى، إضافة إلى عدم وجود نظام يستوعب العلاقة بين الأبناء العاملين والمالكين فقط، لأنه لا يمكن للشركات العائلية أن تستوعب تشغيل الجيل بكامله داخل الشركة، لذلك تبدأ الخلافات.
ويرى العوهلي، أنه يفترض على المؤسس والجيل الثاني أن يتحمل المسؤولية في الدرجة الأولى بأن يتخذوا خطوات أساسية، لأن يضع نظاما للعائلة، ويضع دليل حوكمة ولائحة ودستورا عائليا يحكم علاقة أفراد العائلة والتزامات العائلة الاقتصادية والاجتماعية، وأن يكون عملا مؤسسيا، مبينا أن الشركات العائلية بين خطين: خط المؤسسية دون أي عواطف ومجاملات أو خط الانهيار، خاصة أن اقتصاد المملكة قائم في الدرجة الأولى على الشركات العائلية وأنه على ملاك الشركات العائلية أن يضعوا أنظمة للأجيال المتعاقبة كنظام مؤسسي.
وبين أن يورث الجيل الثاني الجيل الثالث كملاك أسهم، وليس بالضرورة تشغيل الجميع فيها، ولا بد من شركة مؤسسية منظمة، ودعا إلى فصل الملكية عن الإدارة من خلال دليل الحوكمة كجزء من التنظيم من أهم نقاطه الرئيسة فصل الملكية عن الإدارة، بجانب الدستور العائلي.
وقال: إن القضية ليست قضية مدى نجاح الجيل الثالث في إدارة الشركات العائلية، إنما قضية تناغم وانسجام، لأن النزاع يكون غالبا على القيادة وأن هذا الجيل لن يتقبل التنازل للآخر، لذلك لا بد من تنظيم مسبق لاستيعاب هذه المرحلة، ولا بد أن تؤخذ المسؤولية بجدية أكثر، كما أن نجاحات الشركات العالمية بالاستمرار لسنوات تتجاوز الـ 100 عام خلافا للواقع المحلي.
وأوضح العوهلي، أنه أيا كان المسؤول عن تفكك الشركة العائلية هناك مسؤولية لصاحب القرار داخل المؤسسة العائلية بأن يتنقل إلى مرحلة مؤسسية، وأن يكون الهدف الأول والأخير هو شركة مدرجة في السوق المالي، وهذه التجربة العائلية التي أثبتت نجاحها عالميا لصمود الشركات العائلية.
تنتقل مرحلة الفرد في العائلة إلى مالكي أسهم، والإدارة تكون إدارة الشركة استراتيجية وحتى لا يكون هناك تنازع على السلطة ونظام لتسليم السلطة بين الأجيال، مشيرا إلى أن هناك مشكلة أخرى طول عمر سنوات تولي مدير الشركة لسنوات مديدة دون تدوير أو تسلم السلطة وحكمها في عمر تولي منصب القائد.
وأكد أن عدم وضع نظام لتداول السلطة وتنظيم العلاقة وأهداف ورؤية الشركة هو ما دفعت الجيل الثالث يصل إلى مرحلة التنازع على السلطة ومناصبها القيادية ورؤيتها لتنمو الخلافات وتتضخم لتنهار الشركة، فالمسؤولية باتت مسؤولية وطنية وليست شخصية فلا بد على الجيل الأول والثاني وضع دليل الحوكمة من الآن، ووضع ميثاق أسري لتنظيم العلاقات العائلية، للحفاظ على اقتصاد البلد من خلال هذه الشركات، لأن الشركات العائلية لن تستمر إذ لم يتم تنظيمها وتحويل الشركات مساهمة مقفلة، ثم لشركة مدرجة في السوق المالية.
ونوه إلى بعض تجارب الشركات العائلية السعودية التي اتجهت إلى تنظيم كيانها داخليا والبدء في تأسيس نظام الحوكمة وفصل الملكية عن الإدارة في الجيل الثاني، نحتاج إلى شركات منظمة داخليا.
وأوضح أنه إذا كان الجيل الثالث قياديا وقادرا على إدارة الشركة متناغما، مؤكدا أن المقدرة على قيادة الشركة ليس له علاقة بتعاقب الأجيال، منوها إلى أن الجيل الثالث ليس سببا رئيسا لإنهاء الشركات، إنما مساءلة المقدرة على الإدارة لا تتعلق بالأجيال، إنما بوجود بيئة صحية عائلية داخل المؤسسة، فستكون شركة قوية، خاصة أن الجيل الثالث كثقافة وتعليم سيساهم في تطوير الشركات وينقلها إلى مراحل نجاحها، إلا أن أهم ما يمكن النظر إليه هو الحفاظ على كيان الشركة، ثم مناقشة تفاصيل مدى إمكانية الجيل الثالث من القيادة، لأن الحفاظ على المنظمة والعائلة يكون من خلال وضع أنظمة وقوانين ونظام واضح لتولي السلطة، مشيرا إلى أن هناك شركات استشعرت الخطورة وبدأت بدراسة الشركة ووضع الأنظمة، ومن بينها تغيير المناصب الإدارية، حيث لا يحق أن يتولى منصب الإدارة لأكثر من دورتين حتى ينهي النزعات، وهذه الأنظمة تخدم الأجيال والشركة.
ولفت العوهلي، إلى أن تأخر الشركات بإدخال نظام الحوكمة وجدت خلافا كبيرا بينهم، بينما وضع النظام قبل زوال الجيلين الأول والثاني، خاصة المؤسس الذي ما زال على قيد الحياة ويدير هذه الشركة استطاعوا وضع هذه الأنظمة والدساتير لم تجد إشكالية، خاصة أن وزارة التجارة والصناعة تحاول تسهيل إدخال دليل الحوكمة للشركات العائلية، وألا تتردد الشركات لمساهمات مقفلة وإدراجها في السوق المالية.
من جانب آخر، يرى ياسر التويم ممثل مجلس شباب الأعمال في ''غرفة جدة'' واللجنة الوطنية لمجلس شباب الأعمال في مجلس الغرف السعودية، أن المشكلة تعود على حسب ثقافة ونظام الشركات العائلية وبعض المؤسسين يحسبون للجيل الثالث أن يكون لهم دور داخل بيئة العمل، وأن يكون نظاما يحمي الشركة من أن تكون رهينة التصرفات الفردية لتتحول إلى نزاعات بين الأجيال.
وأكد أن الخلل في نظام الشركات وليس في الجيل الثالث الذي لم يحاولوا وضع نظام لتدرج المناصب القيادية، وهناك شركات وضعت نظاما متكاملا، من بين بنوده منع من يعمل في الشركة أن يكون لديه نشاط مماثل باسم الشركة حتى لا يكون هناك تضارب في المصالح، وهناك من وضع انتخابات لرئاسة منصب إدارة مجلس الشركة. وقال: إن الجيل الثالث قد يزج به فجأة في دائرة العمل أو الإدارة دون أي خبرة أو تدرج ما يخلق قرارات مرتجله تضر الشركة، أو تبدأ النزعات بين أبناء هذا الجيل، وهذا يعود لغياب الأنظمة لدى بعض العائلات. كما أكد دور الدولة في الحفاظ على كيان هذه الشركات كما هو حال الشركات العالمية التي استمر عملها لأكثر من 100 عام، مؤكدا أن العيب ليس في أبناء الجيل الثالث إنما في سياسة الشركة وطبيعة الأنظمة فيها.
ولفت إلى بعض أبناء الجيل الثالث لديهم طموحات مختلفة خارج إطار إدارة الشركات العائلية من خلال تحقيق ذاته لتأسيس شركة خاصة فيه، ما يدعو إلى أهمية أن يكون هنالك نظام تمليك الأسهم وليس المناصب، ما يساهم في استقرار الشركة، والحفاظ على جيل يمكن أن يستفاد منه في مجالات أخرى قد يميل إليها أكثر من أن يفرض عليه قيادة مجال لا يملك فيه خبرة ولا رغبة قد تنهي حياة الشركة بالانهيار أو بيعها ما يخبص حق الشركاء ونشوب النزعات.
ويؤكد من جانبه عمر الجرفاني عضو مجلس شباب الأعمال في ''غرفة الشرقية''، على حقيقة أن المشكلة الأساسية في انهيار الشركات ليست مما يخلقه الجيل الثالث من نزاعات في كيان الشركة، إنما لتعنت بعض المؤسسين في الشركات العائلية للسير على النهج التقليدي نفسه وغياب نظام الحوكمة الذي ينظم العمل في الشركات الإدارية.
وأضاف ''أن السبب الرئيس هو غياب الحوكمة في الشركات العائلية التي تدخل فيها العاطفة أكثر من الإدارة، وأن تسلم مناصب لأشخاص حتى وإن كانوا من الجيل الثاني أو الأول بحكم أنه الأكبر سنا، وقد لا يملك هذا الشخص الكفاءة في الإدارة، وأن غياب الحوكمة هي السبب الأساسي لانهيارها''.
وأكد ضرورة أن تتوجه الشركات العائلية إلى سياسة المساهمات المغلقة، لإدراجها في سوق المال للتقليل من التدخل العائلي فيها، لافتا إلى أن المشكلة ليست في الجيل الثالث، لأن هناك ترجيحين قد يكون سبب انهيار الشركة، لعدم نضجه في الإدارة، وقد يكون لديه المقدرة على الإدارة وينجح في إدارتها ويحقق نموا فيها، إلا أن الحل في الحالتين أن تفصل الإدارة عن الملكية بنظام الحوكمة لتقيم مستوى الشركة وأداء المدير فيها، سوء من داخل الشركة أو خارجها.
وبين الجرفاني أن إدراج الشركة العائلية ولو جزء منها في السوق المالية ينقذها من الانهيار، ودليل الحوكمة يحكم الأجيال جميعها ويحافظ على استمرار الشركة، لأنه يعيد أنظمة الشركة ومعايير القيادة فيها، وأن يديرها شخص من خارج العائلة إذا كان يملك كفاءة أفضل من أفراد العائلة، خاصة أن المشكلة إصرار بعضها على تسليم السلطة لأحد أفرادها بحكم العاطفة، وقد يتسبب هذا في تدهورها وخروجها من السوق وخسارة أفرادها وخلق نزاعات جديدة، خاصة أن بعضها تطيل عمر رئيسها لسنوات.
يشار إلى أن المختصين الاقتصاديين يؤكدون على ضرورة صياغة وبناء الإطار القانوني المتكامل المناسب لبيئة العائلة، وأن يكون هناك نظام عائلي مؤسسي متكامل يدير علاقات أفراد العائلة فيما بينهم، فيما يتعلق بشؤون العائلة الداخلية والاستثمارية، والالتزام برؤية واستراتيجية مسار استثمار أموال العائلة حيث ''تراعي الرؤية والاستراتيجية طموحات وتوقعات أفراد العائلة، وقبول مبدأ التضحية من بعض أفراد العائلة، لتحقيق الهدف الأسمى من الاستراتيجية وتحويل الاستراتيجية إلى خطط تنفيذية متوسطة وقصيرة الأجل، مشددين على أهمية الاتفاق على آلية التدقيق والمتابعة لما سبق من خلال إيجاد مجالس إدارية قوية ومتجانسة، ومواصلة العملية التطويرية والرقابية، لتحديث وتوجيه الأعمال بشكل دوري، فضلا عن توفير البيئة المشجعة لاستقطاب المتخصص والكفاءات من خارج العائلة في وظائف قيادية وتفويض السلطة لهم.
وإن من أبرز التحديات التي تواجه الشركات العائلية: تحديات داخلية، وأخرى خارجية، أما التحديات الداخلية فقد حددت في ''ضعف الأجيال وتناقل السلطة.. واتساع دائرة أبناء العائلة من عدة فروع، وتوسع المجالات الاستثمارية وقلة الكفاءات، ووجود أدوار فاعلة لأبناء غير العائلة، والدور النسائي والأصهار، وعدم نضوج المنظمة، في حين تتمثل التحديات الخارجية في ''سرعة المتغيرات (التقنية ـــ البيئية ــــ التنظيمية وغيرها، وانعكاسات الأزمات العالمية والإقليمية، وتطور الأنظمة المحلية، إضافة إلى نضوج المنافسة ودخول المستثمر الأجنبي، وطبيعة المستثمر الجديد (المستثمر الصغير المبدع) ووعي المستفيد ونضوجه''.