خلاف حول علاج أمراض القلب بـ «التمخلب»
هناك علاج لمرض القلب يعتبره كثير من الأطباء يقع خارج طرق العلاج التقليدية أو المتبعة، لكن تبين على نحو غير متوقع أن هناك بعض الأمل في العلاج المذكور. جاء ذلك في دراسة برعاية الحكومة الأمريكية تشوبها خلافات أخلاقية وعلمية، ما أدى إلى نشوء جدال حول النتائج.
فقد استغرقت الدراسة عشر سنوات، وكلفت دافعي الضرائب 30 مليون دولار، واشترك فيها عدد من الأطباء الذين سبق أن أُدينوا بارتكاب جرائم، وأدت إلى تحقيق فيدرالي للتأكد من سلامة المرضى المشاركين في أبحاث حول طرق العلاج. وحتى كبار الباحثين المشاركين في الدراسة يقولون إنه لا يمكن التوصية بهذا النوع من العلاج دون إجراء المزيد من الأبحاث.
واشتملت الدراسة على تقييم للإجراء المعروف باسم "التمخلب"، وهو عبارة عن إدخال أدوية إلى الجسم بصورة دورية، يقول عنها أنصار هذا الإجراء إنها يمكن أن تساعد على إزالة الكالسيوم من الشرايين المتصلبة حول القلب. يشار إلى أن "التمخلب" يستخدم منذ فترة طويلة لمعالجة التسمم بالرصاص، لكن لم تثبت حتى الآن سلامة استخدامه وفائدته في علاج مرضى القلب.
وعند استخدام "التمخلب" لعلاج القلب يستخدم الأطباء أدوية مختلفة غير حائزة على موافقة الحكومة على استخدامها بأي شكل من الأشكال داخل الولايات المتحدة. لكن الذين يمارسون الطب البديل كانوا يعالجون المرضى بأدوية معينة كانوا يطلبونها على شكل خلطات معينة من الصيدليات المتخصصة في خلط الأدوية للاستخدامات الخاصة، من قبيل إحدى الصيدليات في ولاية ماساتشوستس، والتي لها علاقة بالاندلاع الحالي لالتهاب السحايا في الوقت الحاضر.
يشار إلى أن أكثر من 100 ألف أمريكي يخضعون للعلاج بأسلوب التمخلب، ويكون ذلك في الغالب نتيجة لعدم ثقتهم بالطب التقليدي، وأحياناً يكون ذلك بدلاً عن العلاجات المعروفة مثل أدوية تخفيض مستويات الكوليسترول في الدم والإجراءات الطبية الرامية إلى فتح انسداد الشرايين. ويكلف العلاج بالإجراء غير التقليدي ما بين 90 إلى 150 دولاراً للمرة الواحدة، ويعطى للمريض في العادة بمعدل مرة واحدة أسبوعياً لمدة 30 أسبوعاً، ثم يخفض معدل العلاج بعد ذلك، ويكون على نفقة المريض لأن شركات التأمين لا تغطي هذا النوع من الأدوية.
وفي مؤتمر عقدته الجمعية الأمريكية للقلب الأحد الماضي في لوس أنجلوس، قال عدد من الباحثين إنهم اختبروا خليطاً من الأدوية المستخدمة في التمخلب في دراسة شملت 1708 مرضى من الناجين من النوبات القلبية، وأن هذا الاستخدام أدى إلى عدد أقل من المضاعفات – مثل تكرر النوبات القلبية، أو الجلطات الدماغية، أو حالات الوفاة، أو دخول المستشفى للعلاج من ألم الصدر، أو الحاجة إلى إجراء طبي لفتح انسداد الشرايين.
وبعد أربع سنوات من العلاج، أصيب 26.5 في المائة من المرضى الخاضعين لأسلوب التمخلب بواحدة من المشكلات الطبية المذكورة أعلاه، في مقابل 30 في المائة من الذين تلقوا جرعات وهمية لا تشتمل على الدواء الحقيقي، لكن 17 في المائة من المشاركين في التجربة انسحبوا قبل انتهاء فترة الدراسة، وكان هناك فقط 65 في المائة من المرضى الذين تلقوا جميع الجرعات الـ 40 التي كان من المقرر أن يأخذها جميع المشاركين. وبالتالي فإن النتائج المفقودة أو غير المكتملة تجعل من غير الواضح ما إذا كانت المنافع التي تُنسَب لإجراء "التمخلب" يمكن أن تكون نتيجة للصدفة وحدها. يشار إلى أن النتائج لم تنشر في أية مجلة طبية أو تُراجَع من قبل علماء مستقلين. وهو سبب آخر يجعل الأطباء يشعرون بالارتياب وعدم الاطمئنان إلى الدراسة.
وقال الدكتور ستيفن نيسن، وهو رئيس قسم أمراض القلب والأوعية الدموية في عيادة كليفلاند، ولم يشارك في الدراسة: "في رأيي أن هذه الدراسة لم تأت بنتيجة قطعية أو حاسمة".
وأضاف: "إن إجراء التمخلب الذي يمارسه الأطباء يقع على أقصى أطراف الطب البديل"، كما أن كثيرين من الذين شاركوا في الدراسة يعطون المرضى "أشكالاً مختلفة من العلاجات القائمة على الدجل والشعوذة. والواقع أني أشعر بقلق عميق من أن جمهور الناس يمكن أن يتعرضوا للأذى. ولا أنصح المرضى بمحاولة الحصول على هذا العلاج على أساس هذه الدراسة." لكن جهات أخرى، من بينها جمعية القلب، أثنت على الحكومة الأمريكية على إجرائها هذه الدراسة.
وقال الدكتور جون هارولد، الرئيس المنتخب للكلية الأمريكية لأمراض القلب وطبيب يعمل في معهد سيدارز سيناء لأمراض القلب في لوس أنجلوس: "يتلقى المرضى هذا العلاج سواء حصلوا أو لم يحصلوا على إذن الهيئات الطبية المختصة"، وبالتالي فإن من المهم أن يخضع للاختبار. وقال إن اثنين من مرضاه على الأقل أصيبا بأزمة قلبية بعد خضوعهما لإجراء التمخلب في المكسيك.
وقد وصف الدكتور جاري جيبونز، مدير المعهد الوطني للقلب والرئتين والدم، الذي ساهم في تمويل الدراسة بالاشتراك مع المركز الوطني للطب التكميلي والطب البديل، الدراسة بأنها "خطوة أولى"، وحث على توخي الحذر بخصوص النتائج التي تشير إلى وجود "فائدة هامشية".
وأوضح أن إجراء التمخلب المتبع في الدراسة كان يبدو أنه مأمون، حيث اتخذ الأطباء الخطوات المناسبة للتقليل من المضاعفات، واستبعدوا الأشخاص الذين كان يرجح لهم أن يصابوا بتلك المضاعفات. وأضاف: "تدعو الحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث قبل أن نستطيع أن نضم هذا العلاج إلى قائمة الأدوية الرئيسة المستخدمة في أمراض القلب والأوعية الدموية".
وقد شكك خبراء آخرون في الدراسة، خصوصاً لأن عدد الأشخاص المنسحبين من بين الذين كانوا يتلقون أدوية وهمية يزيد بمقدار 60 شخصاً على المنسحبين من بين الذين كانوا يتلقون الأدوية الفعلية. وقالت الدكتورة كريستين بالانتاين، وهي إخصائية لأمراض القلب في كلية بيلر للطب، إنه في العادة ينسحب عدد أكبر من الناس في مجموعة علاجية بسبب الآثار الجانبية. وحين يحدث العكس فإن هذا يعد "نذيراً" ويشير إلى أن أولئك الذين كانوا يتلقون أدوية وهمية اكتشفوا ذلك وقرروا الانسحاب من الدراسة.
وقالت بالانتاين: "هناك أمر غريب وغير مريح يجري هنا. وهو يثير أسئلة حول سلوكيات الدراسة والأبحاث"، خصوصاً أن فرقاً في العدد في شخص أو شخصين أو حدوث مضاعفات كان يمكن له أن يبطل المنفعة الإجمالية الصغيرة التي تحدث عنها الباحثون.
وقد وافق على ذلك الدكتور كلايد يانسي، وهو أستاذ أمراض القلب في جامعة نورث وسترن ورئيس سابق لجمعية القلب. وقال: "هذا أمر مريب. لم أشهد في حياتي دراسة انسحب منها 20 في المائة من المشاركين".
وذكر الدكتور جيرفازيو لاماس، وهو كبير الباحثين في الدراسة وأستاذ في مركز جبل سيناء الطبي في ميامي: "ينبغي أن ينظر إلى الدراسة بما هي عليه، أي أنها خطوة نحو المزيد من الأبحاث في المستقبل".
وقد استهدفت الدراسة في البداية مشاركة 2400 شخص في الولايات المتحدة وكندا، لكن تراجعت جهود إشراك المزيد من المرضى، وتم تغيير العدد المطلوب إلى 1700 شخص.
وفي عام 2008 نشرت مجموعة من الأطباء مقالاً طويلاً انتقدت فيه التجربة المذكورة، وقالوا إن المرضى المشاركين في الدراسة لم يتم تحذيرهم بأن هناك أشخاصاً لقوا حتفهم نتيجة لإجراء التمخلب. واشتكى كاتبو المقال من أن أكثر من نصف الأطباء المشاركين في الدراسة يجنون المال من بيع علاجات التمخلب، وهو ما يشكل تضارباً للمصالح.
وقد أثبتت التحقيقات التي أجراها مكتب حماية الناس في الأبحاث البشرية وإدارة الغذاء والدواء أن عدداً من الأطباء المشاركين في الدراسة سبق أن اتُّهِموا من قبل المجالس الطبية بأنهم يفتقرون إلى المهارة والدراية في الممارسة الطبية، أو أنهم كانوا ضالعين في عمليات تحايل على شركات التأمين، وكان ثلاثة منهم على الأقل من الذين ثبتت إدانتهم بجرائم معينة. لكن الحكومة قررت أن هذا لا يمنعهم من المشاركة في الأبحاث التي تجريها الحكومة الأمريكية، وتركت الدراسة تستمر بعد أن اتخذت عدداً من الإجراءات التصحيحية. بحلول ذلك الوقت كان قد تم تسجيل 1500 شخص للمشاركة في التجربة.