«الإيجابية» والحوار في عُرف الـ «تويتر»

كنت ضيف شرف ''غير مرحب به'' ولفترة قصيرة أخيرا في مناسبة اجتماعية جمعت بعض الأقارب من شريحة الشباب من صغار السن عطفا على فارق العمر والاهتمامات وتوجه الفكر، حيث سعدت وعلى المستوى الشخصي بهذا الاجتماع الذي لا يخلو في طابع طرحه العام وأدواته التقنية المستخدمة المتوافرة ''جهاز الآي باد، الكمبيوتر المحمول، ألعاب البلاي ستيشن...'' من البحث عن الدعابات ونتائج المباريات الرياضية المحلية والدولية وتناقلها، مع ملاحظة نوع من التحفظ عند التوجه بالحديث إلى شخصنا ''ضيفهم الثقيل'' الذي كان يحاول ممارسة حضوره الشبابي المتكلف والمشاركة في رسم الابتسامة مع الجميع، لكن طبيعة ''الحس الإعلامي'' ومع الأسف لم تخدم هذا الحضور عندما تنبهت لحديث جانبي عن ''تغريدة'' في شبكة التواصل الاجتماعي كان يقرؤها أحد الشباب بصوت يتسارع في الارتفاع ويهدف إلى محاولة جذب الاهتمام والمتابعة ''ولعله يقصدني أكثر من غيرهم'' عن دعوة للشباب في توجه التفاعل الإيجابي والتحفيز وإطلاق القدرات.
يلاحظ المتابع نوعية الطرح والنقاش والتفاعل الراهن ومضمونه في بعض ''المنتديات''، وكذلك في شبكات التواصل الاجتماعي مثل الـ''تويتر'' التسارع في التعريف والتنظير بتوجه تربوي تحفيزي وهو ''الإيجابية'' يستهدف - في الغالب - شريحة الشباب في العالم العربي، وبين تعريفه ومعناه في اللغة العربية وشعارات بعض دعاة ورعاة هذا التوجه تباين في الطرح والتأثر والأهداف، ويشرح معجم ''لسان العرب'' معنى ''الإيجابية'' في جملة (أوجبه إيجابا.. أي: لزم وألزمه)، كما يعرف الإيجاب بأنه ''الأمر الذي يترتب عليه القبول اللازم والوجوب''.
اخترت لكم من بين ما رشح لي من مراجعتي بعض الشعارات الإيجابية المطروحة هذا التعريف: (تكمن داخل كل إنسان قوى نائمة، وهي من القوة بحيث إنه إذا تم إيقاظها وتوظيفها فستحدث توازنا في حياته)، كما أستشهد - أيضا - في هذا السياق بتعريف يتم تداوله (عمل يمنع الكسل وحيويته تقصي السلبية وانتشار لا يقبل الانحسار، إنها عطاء ليس له حدود وارتقاء فوق كل السدود ومبادرة لا تكبلها القيود).
''الإيجابية'' كمصطلح يجسد مفهوم علم النفس الإيجابي والتحفيزي positive psychology الذي أسهم في تطور نشأته رئيس جمعية الأطباء النفسيين الأمريكيين مارتن سيلغمان عام 1998، وهو ينشد البحث العلمي والتربوي عن الدور الوقائي لمن يعيش حالة من عدم التوافق النفسي من خلال المساعدة على دعم توافر عناصر هذا التوافق وتناغمها.
عند العودة إلى متابعة وتشخيص مَنْ تبنى أو تناول هذا التوجه التربوي في طرحه في عالمنا العربي، فنجد أن عنصر ''التفاوت'' وكذلك ''التباين'' يمكن ملاحظته وفهمه عطفا على توافر ثلاث فئات عامة من جميع الشرائح العمرية والمهنية في العالم العربي: الفئة الأولى وهي الفئة ذات الأغلبية العددية بين الشباب العربي، حيث تلمس في هذا النهج معطيات (الحماس، الطموح، التحرر من بعض القيود وبناء الشخصية المثالية الناجحة) وفي المقابل فهي تقوم بترديد أو ''تغريد'' بعض هذه الشعارات والقيم الإيجابية دون فهم وإدراك متوازن للجذور والتداعيات والأهداف ذات العلاقة بهذا التوجه. أما الفئة الثانية التي تختلف عن سابقتها في ارتفاع نسبة الوعي والإدراك، حيث تمثلها نسبة كبيرة من النخب العلمية والفكرية والمثقفة في العالم العربي، وهي تبحث من خلال هذا الدعم أن تحفظ حضورها وطموحها المهني المستقبلي في مواكبة الطرح الجديد والتجديف مع التيار، مع ملاحظة معرفتها بعض التداعيات أو السلبيات التي تتعارض - في بعض الأحيان - مع المصلحة العامة في المنطقة. الفئة الثالثة وهي الفئة النخبوية القليلة العدد التي تمثل المرجعية التنظيمية والتنظيرية للأهداف والقيم التحفيزية الإيجابية، حيث تتميز بالخبرة القيادية والريادة المهنية والفكرية في المجتمع العربي القادرة على التنظيم والاستقطاب والتأثير في قاعدة كبيرة من المتابعين، خصوصا من شريحة الشباب، ويبحث بعض هذه النخب من خلال تنامي هذا الطرح الإيجابي عن مصالح خاصة قد تتفق أو تختلف مع استقرار وخدمة المصلحة العامة في المجتمع العربي.
كما أود أن أنوه هنا بالدور التوعوي والتدريبي المثالي لفكر وتوجه التحفيز ''الإيجابي الوطني'' وكذلك عن الحوار الوطني في بعض المنتديات والمواقع الإلكترونية المرخصة رسميا من وزارات الثقافة والإعلام في العالم العربي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي