الثلاثاء, 13 مايو 2025 | 15 ذو القَعْدةِ 1446


الإعلام العربي والفكر المريض

إن عملية التربية أصبحت في وقتنا الحاضر عملية تكاد تحمل مجموعة من المفاهيم المختلفة والمتفرعة ولم تعد ذلك الخط الموحد الذي يحمل خطي الصواب والخطأ بل لقد اتسع ذلك الخط اتساعا مطاطيا فأصبح يضم من المفردات ما لم يكن يضمه في السابق بل وفي المقابل حذف من المفاهيم أمورا كانت تعتبر من المبادئ الأساسية في التربية في السابق ولكن عوامل التعرية الفكرية والثقافية والاجتماعية أوجدت لنا مفاهيم جديدة ننصاع لها ونتعامل معها خاصة في ضوء اعتبار البعض أن الدين الإسلامي يقتصر على العبادات وما زالوا لم يدركوا أن هذا الدين المتكامل هو أساس تقوم عليه أفضل العناصر التربوية لنمو الإنسان واتساع أفقه ولو سلطنا الضوء قليلا على موضوع بر الوالدين لوجدنا أن مفهوم البر اختلف بين الماضي والحاضر فما يعتبر واجبا تجاه الآباء في السابق أصبح الآن في مفهوم بعض الأسر يدخل تحت التفضل والتكرم والمنة على أولئك الآباء بخدمتهم وبرهم وليت الأمر يقتصر على ذلك بل حتى في الجوانب التجارية والمعاملات اختلف الوفاء بالوعد وبعد أن كانت للرجل كلمته في البيع والشراء وفي دفع الأموال وقبضها أصبحت العقود التجارية لا تكفي لتتبع الحق أحيانا والمحاكم مليئة إلى ذروتها من عمليات النصب والاحتيال في البيع والسرقة بل وإنكار العقود ولا يستنكر ذلك طالما أن الفرد خلط عمدا بين الخطأ والصواب ومع مرور الزمن أصبح الفرد يرى الخطأ ويكابر على صحته وهذا الكلام ليس نظريا فحسب بل إن كتب علم النفس مليئة بالخلط بين تقييم الحقائق والوقائع وأساسها السيكولوجي بل الكتاب والسنة النبوية تدعم ذلك أيضا في وصف قلوب البشر بالحجارة بسبب ابتعادهم عن الحق ومما لا شك فيه أن الإعلام له نصيب الأسد من الالتباس في المبادئ والقيم فلم تعد التربية مقتصرة على الوالدين ولكن الإعلام أصبح المربي الأول للفرد وأي تربية تلك التي تنبع من بوابة القنوات الفضائية التي تغرس الكثير من الأفكار السلبية في مجال عقل الإنسان ليس من جانب ديني فحسب بل من جوانب فكرية واجتماعية وثقافية وقد ندرك ذلك عندما نرى الكم الهائل من المشاهدين وهم يتواصلون مع بعض برامج تفسير الأحلام التي تبث الشعوذة أو بعض البرامج الأخرى التي تضر الفكر أو قد تكون لا تتجاوز فائدتها إضاعة الوقت دون أي فائدة وبالتالي ما هي العقول التي ستنتج من بعد تلك التغذية السلبية.. لا أعتقد أن النتيجة ستخدم التطوير أو التفكير إلى الأفضل خاصة أن الإعلام المرئي أصبح جزءا لا يتجزأ من حياة الناس في كثير من الدول والمجتمعات وهذا ما يدفع إلى القول إننا حقيقة وبلا مبالغة نستقبل إعلاما عربيا مريضا بمعنى الكلمة باستثناء بعض البرامج القليلة المفيدة ولكن بشكل عام تغيب عن ساحتنا الإعلامية القنوات التثقيفية والقنوات التعليمية وغيرها بل هي في عددها لا تتجاوز أصابع اليد ومن هنا فإن التغذية الفكرية أمر يفوق كل الأهمية في وقتنا المعاصر فكم هي حاجة المجتمعات العربية إلى التوعية وإلى التثقيف وإلى التعليم على الأقل من أجل تحقيق الوعي الفكري الذي يحافظ على أهمية مكانة الفرد كإنسان وحاجته إلى الاحترام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي