نحن وتغريداتنا

عالم التواصل الإعلامي والمجتمعي الذي نعيشه اليوم عالم لا نملك له أي قيم ولا نعرف له مبادئ، لهذا يعتقد أغلبية المستخدمين له أن الحرية مطلقة دون قيود أو احترام للأعراض والأنفس، فتجد أنواع النقد والشتم والتعرض لكل شيء وفي كل شيء، ومع أنني لست مستخدما محترفا أو حتى هاويا لأغلبية أدواته، ولا أملك الوقت للاطلاع عليه ومتابعة كل ما يكتب، لكن الوقت الذي أعطيته من وقتي، وإن كان قصيرا، إلا أنني ذهلت من حجم ونوع ما يكتب، حتى إن كانت بأسماء مستعارة، إلا أنها أنفس محسوب عليها كل كلمة تكتب، ليس منا كبشر ولكن من خالقنا - سبحانه وتعالى، ولهذا فإن المطلوب هو النقد البناء وليس التعرض للأعراض والأشخاص بالتجريح والشتم أو الإهانة.
إن هذه النعمة الإعلامية التواصلية التي جعلتنا نعيش مع بعضنا وتختلط أفكارنا رجالا ونساء، كبارا وصغارا، علماء ومتعلمين، أغنياء وفقراء، وحكاما ومحكومين، تتطلب منا الحرص على كل كلمة تطلقها عقولنا وتقودها أصابعنا ويقرأها كل إنسان، هذه الكلمة التي يهتز لها عرش الرحمن عندما تسيء لإنسان بريء ومؤمن تقي.
إن ما نكتبه سيكون علينا شاهدا يوم لا ينفع مال ولا بنون، لقول الله - سبحانه وتعالى ''يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون''، هذه الشهادة العظيمة التي سيُنطق الله بها كل جزء منا هي ما يجب أن نحرص عليه، فلا نكتب أي كلمة دون أن نستحضر هذه الآية الكريمة وغيرها كثير، وفي هذا السياق يقول المصطفى - عليه الصلاة والسلام - تأكيدا لعظم الكلمة وأنها تحسب لنا أو علينا ''وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال، صلى الله عليه وسلم، على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم''.
إن استشعار مسؤولية الكلمة والحرص على أعراض الناس أمر ديني واجب، وقد يقول قائل إن ما يقول أو يكتب من أمر هو أمر صحيح، وإن واجبه هو قول الحقيقة وكشفها. ومع أن هذا الأمر فيه من المحامد الكثير، إلا أن خطورته خصوصا مع عدم التأكد، أعظم أثرا وأكثر ضررا. وهنا أكد الحق - سبحانه وتعالى - على ذلك بقوله ''ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا''.
إن هذا التذكير بما جاء به قرآننا الكريم، وما حذر منه المصطفى - عليه الصلاة والسلام - لا يعني أن هذا يمنع النقد البناء السليم المعتمد على المعلومات الدقيقة الواضحة عن الموضوع المطروح للنقد، لأن النقد يجب أن يكون مبنيا على ركائز، أهمها المعلومة الصحيحة وليس كما يحدث الآن في الكثير من المنقول من المعلومات المبينة على ردود الفعل، التي حولت ردود الفعل مع الوقت إلى فعل، وأصبح الناقل للخبر لا ينقل الخبر مع عدم دقته أحيانا إنما ردود الفعل على الخبر ويتقبل الجميع ذلك على أساس أنه خبر، وهنا تحدث الفجوة التي أحاول أن أوضحها من أن كل ما ننقله ثم نتحاور حوله ليس الخبر أو الحدث أو النقد البناء، إنما ردود أفعال على أخبار ربما لا تكون حقيقية.
اليوم نحن في أمسّ الحاجة إلى وضع ثقافة ومنهج عمل لكل ما نكتبه من تغريدات أو ما نعيد التغريد به، حتى نضمن مصداقية النقل والنقد، وأن نحقق مما نطرحه الإصلاح السليم المنتج لمجتمعنا ووطننا، وطرحي هنا ليس تقزيما أو تحذيرا من أهمية النقد البناء، لكنه خوف من الاختلاط بين النقد البناء الموجه للمنفعة العامة، والتجريح أو الشتم والايذاء الشخصي الموجه وفقا لمصالح خاصة أو توجهات شخصية، أو إعادة تغريدة دون الفهم السليم لهدفها أو رسالتها، ونصبح بهذا كنافخ الكير، ودعونا نأخذ بتوجيه المصطفى - عليه الصلاة والسلام - من جعل علاقتنا مع الإعلام الجديد وما نأخذ منه وما نضيف إليه بقوله - صلى الله عليه وسلم: ''إِنِّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يَحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثَيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً''.
كلي أمل أن نجعل من علاقتنا مع وسائل الاتصال والتواصل الحديثة من فيسبوك Facebook وتويتر Twitter وغيرهما، مثل الجليس الصالح الذي نأخذ منه كل أمر طيب ونترك منه كل ما يدنس أعمالنا وأعراضنا، وأن يكون طرحنا ورأينا وما نكتبه أو ننقله شاهدا لنا لا شاهدا علينا يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ومن جهة أخرى لا بد من تطوير الآليات والأدوات والثقافة التي تحكم التعامل مع معطيات التقنية والتواصل الإعلامي والمجتمعي لتعزيز النقد البناء الهادف، وحماية الأعراض والأنفس من كل تجريح. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل :

«إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى
ودينك موفور وعرضك صين
لسانك لا تذكر به عورة أمرئ
فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً
فدعها وقل يا عين للناس أعين»

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي