لم أجد نفسي بعد !!

الإمعان في المثالية قهرٌ للنفس وقتلٌ للطموح فيها تحت مسمى الرضا والقناعة، فنفوسنا كأبداننا تحتاج إلى سقاء وغذاء وإلا ذبلت وماتت، وحرمانها مما تستحق من تقدير معنوي أو مادي طريق لجذِّ ريشها كي لا تطير وترتقي، وشأن نفس موهوبة في شئون التحليق ثم تُحرم منه غيرة وحقداً، أن تنتكس وتنتهي، وما تمحكها بالقبول إلا «فرفرة» من شدة الألم.

إن الواقعية في معاملة النفوس عامة، ومعاملة النفس الموهوبة خاصة، أمران غائبان ونحن نتعامل مع نفوس أكثر تقلباً من القدر إذا استجمع غليانه، ظانين بأن أي معالجة تصلح لأي وقت، وموهومين بالطمأنينة حيال نفوس دأبت على القبول بالقليل ونحن ندرك أنها تستحق الكثير، ولكن تمنعنا أنانيتنا أو سلبيتنا من السعي لتمكينها فيما تستحق.

لا أشير إلى نفسي في هذا المقام، وإن كنت أقصدها ببعض الشذر، فعنواني منذ القدم مرصع بالمدح في كل المواقع محروم من الدقيق في كل المواقف.. ولكني بالمقام الأول انطلق من ذلك نحو لفت الانتباه إلى أن الاستثمار الذكي للطاقات العربية يمضي على ظهر سلحفاة عجوز، ويمضي لما دونهم على ظهر ريح ضروس، في مشهد يجسد افتقادنا للثقة فيما نملك من عقول وهمم وقدرات، رغم أن البديل لم يأت من كوكب المريخ، ولكنه إنتاج دولة أحسنت صناعته والتسويق له، على نحو أغرانا بالتهافت عليه ونحن نملك على الرفوف بضاعة هي في الحقيقة أفضل ولكنها تحتاج إلى ذرِّ للتراب وإحسان للعرض.

إن العقول العربية التي هربت من جحيم التجاهل، ووجدت هناك ما فقدته من تقدير هنا، انطلقت وأبدعت وتفوقت، فأعلنت بلسان الحال مقدار افتقادنا للرؤية القويمة إذ لم نستثمرها في أرضها ووطنها، فخسرنا حين فاز الغير بإنتاجها، ولم يبق من شيء لنا إلا أن ينقل إعلامنا أخبار نجاحاتها المبهرة، في تغزُّل أحمق ومخاطبة ودِّ مكشوفة.

إن إعادة اكتشاف العقل العربي هي مهمة الأتقياء والأنقياء والمخلصين من أبناء الوطن العربي العزيز، فلدينا المادة الخام، ولكن تنقضنا آليات التشغيل المتقن عليها، وهي أمور في المتناول متى انصب الاهتمام الأول على بناء العقول بناء سليماً في أجواء صحية في التعليم والتربية والتثقيف والتدريب، ولدى الأمة رصيد وذخيرة من تراث وتاريخ أيقظ حضارات متعددة يوم أن أخذت به.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي