وما زالت معضلة تعيين أمين عام «أوبك» مستمرة
عقد مؤتمر منظمة الأقطار المصدِّرة للبترول (أوبك) اجتماعاً في العاصمة النمساوية (فيينا) يوم الأربعاء 12/12/2012م وانتهى الاجتماع إلى موافقة الدول الأعضاء على الإبقاء على سقف إنتاج دول المنظمة عند 30 مليون برميل يومياً، والتجديد للأمين العام الحالي للمنظمة عبد الله البدري (ليبي الجنسية) لمدة عام، حيث أخفق المؤتمر في تعيين أمين عام جديد خلفاً للأمين العام الحالي الذي تنتهي ولايته الثانية والأخيرة بنهاية كانون الأول (ديسمبر) 2012م، ولم يعد جائزاً بموجب المادة 28 من دستور ''أوبك'' التجديد له لمدة ولاية أخرى، لأن هذه المادة جعلت مدة ولاية الأمين العام ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة وللمدة نفسها.
وكانت السعودية قد رشحت ممثلها السابق في مجلس محافظي المنظمة الدكتور ماجد المنيف لتولي منصب الأمين العام، كما رشحت إيران وزير النفط الإيراني السابق غلام حسين نزاري ورشح العراق ثامر الغضبان، مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة، ورشحت الإكوادور وزير نفطها ولسن باستور ثم سحبت ترشيحه، كما أن إيران سحبت مرشحها دعماً للمرشح العراقي، ولم يكن غريبا أن تسحب إيران مرشحها لدعم المرشح العراقي، نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربط بين النظامين الحاكمين في إيران والعراق.
وأفادت تقارير إعلامية بأن مؤتمر المنظمة سبق أن كلف لجنة من محافظي المنظمة بتحديد أكفأ المرشحين لتولي المنصب. واجتمعت اللجنة في تشرين الأول (أكتوبر) 2012م وطلبت تقديم أوراق المرشحين ومقابلتهم، فلم يحضر المرشح الإيراني، وتبين للجنة أن المرشح السعودي هو الأجدر بتولي المنصب لمعرفته الواسعة بالمنظمة وإدارته الندوات الدولية، في حين أن المرشح العراقي نجح كخبير على صعيد قطاع النفط العراقي؛ لكن خبرته في المحافل الدولية وفي المنظمة أقل. ولذلك كانت السعودية على حق عندما اعتبرت مرشحها هو الأجدر بتولي منصب الأمين العام. وعلى الرغم من أن السعودية هي أحد الأعضاء المؤسسين وأكبرهم تصديراً للنفط، إلا أنه لم يتبوأ أحد مواطنيها هذا المنصب إلا مرة واحدة ولمدة سنة، حيث تولاه الأستاذ محمد صالح جوخدار من 01/01/1967م إلى 31/12/1967.
وذكرت صحيفة (الحياة) في عددها الصادر بتاريخ 10/12/2012م أن اجتماعاً وزارياً لجامعة الدول العربية قرر قبل بضعة أشهر وقبل تقديم العراق مرشحه، ألا تقدم الدول العربية الأعضاء في أوبك مرشحاً آخر غير المرشح السعودي الدكتور ماجد المنيف، إلا أن نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني رشح ثامر الغضبان قبل طرح المسألة أمام مجلس الوزراء العراقي، وعندما سئل وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري عن الموضوع قال لا علم له بترشيح الغضبان.
وعلى الرغم من أن المادة 28 من دستور ''أوبك'' قد وضعت حلاً بديلاً في حال تعذر إجماع الدول الأعضاء على اختيار الأمين العام وهو أن يتم تعيين الأمين العام بطريقة (التناوب) لمدة سنتين دون الإخلال بالشروط الخاصة بالمؤهلات الواجب توافرها في الأمين العام، إلا أنه لم يتم تطبيق هذا البديل بسبب اختلاف الدول الأعضاء حول تفسير المقصود من كلمة (التناوب)؛ إذ رأى بعض الأعضاء أن المقصود هو الترتيب الأبجدي للدول الأعضاء حسب تاريخ الانضمام إلى المنظمة وبعض الدول الأخرى رأت أن المقصود من التناوب هو الترتيب الأبجدي بصرف النظر عن تاريخ الانضمام، ولذلك لجأ مؤتمر ''أوبك'' في الماضي إلى معالجة معضلة اختيار الأمين العام لحلول مؤقتة، فكلف - في بعض الأحيان - نائب الأمين العام بالقيام بمهام الأمين العام بالوكالة إلى أن يتم اختيار الأمين العام الجديد، ثم عدل عن هذا الإجراء وأصبح كلما واجه هذه المعضلة، كلف الرئيس الدوري للمؤتمر، وهو أحد وزراء النفط في الدول الأعضاء، بالقيام بأعمال الأمين العام بالوكالة وعادة ينتهي هذا التكليف باختيار أمين عام جديد من أحد مواطني الدول الأعضاء غير التي كانت متنافسة على هذا المنصب. وفي هذه المرة قرر مؤتمر ''أوبك'' معالجة هذه المشكلة بالتمديد للأمين العام الحالي لمدة سنة، وهو حل مثل الحلول السابقة، ليس له سند من أحكام دستور ''أوبك''، فضلاً عن أنه ليس حلاً ناجعاً.
وستظل ''أوبك'' تواجه بين الحين والآخر معضلة اختيار الأمين العام كلما شغر هذا المنصب طالما لم يتم تعديل مواد دستور ''أوبك'' المتعلقة بكيفية اختيار الأمين العام، وفي مقالات سابقة نشرت في صحيفة ''الاقتصادية'' عالجت هذا الموضوع وطرحت اقتراحات عدة بخصوص تعديل مواد دستور ''أوبك'' المتعلقة بهذا الشأن على نحو يمنع تكرار الإخفاق في تعيين الأمين العام، ويضيق المجال هنا عن إعادة ذكرها. ويبدو أن الظروف السياسية لم تزل غير ملائمة لتعديل دستور ''أوبك''.