جهود مبعثرة للوزارات أفرزت معوقات جديدة أمام المشاريع الصغيرة
بعد مرور أكثر من خمس سنوات على طفرة المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي أدخلها شباب وشابات الأعمال السوق المحلية، منافسين فيها أقوى المنتجات والخدمات المستوردة وكبار تجار السوق، إلا أن خبراء اقتصاديين يرون أن التشريعات ما زالت لا تخدم هذه الفئة من المستثمرين بالشكل الذي يتناسب مع أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي نهضت في اقتصاد دولة كانت فقيرة لتكون أسواقها من مصاف الأسواق الناشئة والأكثر نموا.
#2#
#3#
#4#
وبين مختصان اقتصاديان لـ''الاقتصادية'' أن تشتت جهود الوزارات المعنية أسهم في استمرار أزمة المعوقات أمام هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوق كبيرة ومتعطشة للاستثمارات، كسوق المملكة التي ما زالت العمالة والمواد المستوردة تستنزف مواردها وتنافس صغار المستثمرين من السعوديين.
ويرى شباب أعمال أنه رغم مقدرة الشباب المبادر في قطاع الأعمال على تغيير واقع بعض المؤسسات الحكومية وأنظمتها أمام طموحهم وإرادتهم ليتجاوزوا في فترة قصيرة معوقات سابقة، إلا أن فقدان هذه الجهات المؤسسية للتنسيق فيما بينها أسهم في خلق معوقات جديدة تستحدث عقبات أخرى أمام جيل متحمس وقادر على دخول السوق، من خلال مبادرات صغيرة ومبدعة قد تغير خريطة المشاريع التقليدية.
ووصف حسان عسيري نائب اللجنة الوطنية لشباب الأعمال سير بعض المؤسسات الحكومية المعنية بدعم وتسهيل إجراءات الشباب في قطاع الأعمال بـ''البطيء جدا''، رغم أن بعض هذه المؤسسات تجاوزت مرحلة التقليدية بتعاملاتها، إلا أن جهات أخرى قد تعرقل هذه المرحلة وتخلق عثرات جديدة قد تحبط تلك الجهود، وتزيد من تعسر ولادة مشاريع جديدة في السوق المحلية التي تزخر بكم هائل من الفرص أمام الشباب.
وقال لـ''الاقتصادية'' إن المعوقات التي كانت تقف أمام شباب الأعمال لم تعد كما هي، إلا أنه في بعض الأحيان نراها تتضاعف من نواح أخرى لا يجب أن تتعقد فيها، منوها إلى أن بعض الجهات المعنية في الوزارات بدأت بتغيير بعض تشريعاتها أو متطلباتها للأفضل لتسهيل الإجراءات على المستثمرين الشباب، إلا أنها في بعض الأحيان لا تحقق النتائج المرجوة منها، لأنها تقابل إدارات أخرى تقف حجر عثر أمام إنهاء المتطلبات أو إنهاء مشكلات أمام شباب الأعمال، بسبب عدم التنسيق مع بقية الإدارات والوزارات الأخرى.
وتابع: ''على سبيل المثال، وزارة التجارة والصناعة بذلت مجهودا أو خطت خطوات جادة لتقليص متطلباتها لاستخراج السجلات التجارية، إلا أن هذا تم بدون تعاون مع جهات أخرى كمصلحة الزكاة أو البلديات، ما يتنج عن سوء التنسيق هذا مشكلات تعطيل إجراءات الشباب، مشيرا إلى أن بعض الإدارات ترفض ترقية تعاملاتها وتنفيذ إجراءات إلكترونية كغيرها من الإدارات، ما يؤثر كثيرا على أداء هذه الإدارات التي تنعكس سلبا على شباب الأعمال والمشاريع التي يسعون لإنشائها أو تنميتها''.
واعتبر عسيري أن المجهود الذي تقدمه بعض الوزارات يبقى فرديا ولا يتم التنسيق فيما بينها، معتبرا أن التشريعات تمضي قدما للتحسن لكن ببطء شديد، ''إلا أن الأسوأ من ذلك أن مع كل خطوة إلى الأمام بسبب عدم التنسيق مع بقية الوزارات وإداراتها يرجع بها إلى الوراء عشرات الخطوات''.
وأوضح أن هذا التشتت الذي تمر بها هذه الإدارات يؤثر سلبا على شباب الأعمال ويؤثر على أنشطتهم التجارية وقد توقفه كليا بسبب تعنت أو عدم مرونة وتجاوب بعض الإدارات الوزارية مع بعضها بسبب غياب التنسيق بين تلك الجهات، وقد يواجه أصحاب المشاريع صعوبات كثيرة حتى في تنمية مشاريعهم الصغيرة وليس فقط عند تأسيسها.
وأكد عسيري أن السنوات الخمس الماضية شهدت مبادرات جادة من الشباب لإنشاء مشاريعهم والمضي في السعي في تنميتها، مبينا أنه رغم حجم التشجيع من بعض الهيئات لهذا التوجه، إلا أن هذه الطفرة صاحبها عدم مواكبة التشريعات لها، مشيرا إلى أن زيادة التثقيف والوعي رفعت نسب المبادرين منهم، إلا أن ما واكبها من تحسن تطورات لهذه الإجراءات من قبل الجهات المعنية لم تواكب نتائجها ما هو مطلوب أو ما نتج عنها، ما يذلل ما يواجه الشباب من معوقات تشريعية أو تنظيمية، مشيرا إلى أن التجاوب من المسؤولين ''جيد'' أمام القيادات الشباب في الهيئات الشبابية، ''وهناك تفهم كبير لمشاريع الشباب ومبادراتهم إلا أن النتائج على أرض الواقع ما زالت متواضعة''.
من جانبه يقول ماجد العمار عضو سابق في المجلس التنفيذي لشباب أعمال غرفة الشرقية، إن وفرة الفرص في قطاع التجارة في السوق المحلية يمكن أن يصنع للشباب فرصا مهمة تحقق لهم نقلة نوعية وكبيرة في حياتهم، لكن بغض النظر عن المعوقات فهناك معوق رئيس هم الشباب أنفسهم، ''الذي لا يزال بعضهم يعتمد على من يصنع له الفرص ويقدمها لهم، أو الاعتماد على العامل الأجنبي في تنفيذ فرصه''، مشيرا إلى أن دور الجهات دعم ورعاية الفرص التي يصنعها الشباب بإرادتهم من خلال طموحهم، وأن يكونوا مبادرين وأن يعتادوا على صنع الفرص، مؤكدا أنه متى ما كان لدى الشباب إرادة وطموح فإن أي عقبات أو معوقات يمكن أن تتلاشى أمام إصرارهم، منوها إلى أن الحياة بأكملها مليئة بمعوقات، وهذا يقاس على قطاع الأعمال مرجعا أن الثقافة الاجتماعية والبيئة التي ينشأ بها الشباب، قد يكونان من أسباب ضعف أو قلة الحافز لدى الشباب للمبادرة والاستمرار في صناعة أعمالهم ومواجهة المصاعب.
وأكد العمار أن ما دفع إلى تسهيل أو تذليل نسبة من المعوقات وتغيير سياسات كثيرة في الوزارات والإدارات المعنية كان الشباب وراءها عندما بادروا ودخلوا قطاع الأعمال.
من جهته يؤكد الدكتور إحسان بوحليقة - خبير اقتصادي - أن بروز معوقات جديدة أمام الشباب يأتي نتيجة لعائق أساس هو تناثر الجهود، إذ رغم الاهتمام وتوافر الموارد إلا أن التنسيق متناثر، فلا يوجد ما يربطها ويجمعها مع بعض الجهود ويعطلها، مشيرا إلى أن هنالك الكثير من الجهات التي تعد من مصادر التمويل، وهناك آخرون يتحدثون عمن يهتم بقضايا الحاضنات، إلا أن المعوق الكبير عدم وجود أي رابط أو تنسيق ينظم ويجمع هذا الشتات تحت مظلة مؤسسية أو منظمة هدفها تذليل العقبات والتركيز على من يأتي بأفكار ريادية، وتكون مهمة هذه الجهة أو المنظمة مساندة ومساعدة لهؤلاء المبادرين من شباب الأعمال وإزالة المعوقات حتى يتمكنوا من تنفيذ هذه الأفكار التجارية لتصبح نشاطا فاعلا ومنتجا في سوق الأعمال.
وأكد أن صاحب الفكرة من شباب الأعمال يحتاج إلى مساندة مالية وفنية واهتمام كامل وتام ودعم متواصل لمشروعه، منوها إلى أن اختلاف وتفاوت طبيعة المبادرات والمشاريع تختلف طبيعة دعمها وتمويلها واحتضانها عن الأخرى، فهنالك ما يكون فيها إبداع أو نسبة مخاطر عالية وتفاوت في أساليب التنفيذ، لذلك لا بد من توافر هيئة أو منظمة تمتلك القرار وتدرس المشاريع التي تنطبق عليها عدة معايير كمقياس لنجاحها وتدعمها وأن يكون الاحتضان بمعناه الحقيقي وليس الشكلي، مشيرا إلى كونها شريكا دائما وذا اهتمام عال جدا لاستمرار هذه المشاريع وتنميتها حتى تكون واحدة من العوامل الداعمة والمؤثرة في الاقتصاد.
ولفت بوحليقة إلى أن لإنشاء هذه المنظمة أو الجهة التي ستعمل على الدعم أو صناعة رواد من جيل شباب الأعمال في السوق، فلا بد من الوضع في الحسبان أنها ليست فقط من باب الترويج لدورها الشكلي، بل إن المسؤولية التي على عاتقها أن تعتبر أن ذلك إنتاج فكري وإبداعي لن يصل إلى السوق وينجح، وأن تحول هؤلاء المبادرين أو أصحاب الأفكار من الشباب إلى قصص نجاح، وأن تمتلك القرار على توحيد الجهود وتذليل العقبات.
ويرى عصام الخليفة عضو جمعية الاقتصاد السعودية أن عوائق المنشآت الصغيرة والمتوسطة تتمثل في أربعة محاور رئيسية تؤثر على واقع المشاريع وأصحابها، مضيفا أن الجميع متفق على أن أكثر الدول تقوم على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لكن في المملكة ما زال هنالك معوقات أبرزها التشريعي والتمويلي وأصحاب المشاريع، والجانب الأصعب هو عامل التسويق.
وقال إنه لا يوجد حتى الآن تشريع واضح عن مرجعية هذه المشاريع أو الآليات التي تحكمها والإجراءات التي يمكن أن تحمي المشاريع وأصحابها والممولين لها، مبينا أن حماية أصحاب المشاريع في تقليل من سياسة الاستيراد للمنتجات أو الخدمات التي يمكن أن تقدمها هذه المشاريع، لأنها قد تكون عائقا أمامها تعمل على رفع تكلفتها نسبيا مقارنة بسعر المنتج المستورد، ما يؤثر على المنتجات المحلية في السوق أمام فتح المنتجات المستوردة، منوها إلى أنه على الرغم من عمر دخول ثقافة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ونموها خلال السنوات الماضية إلا أن الصناديق الممولة ما زالت متخوفة من فشل هذه المشاريع بسبب التكلفة العالية أمام المنتج المستورد.
وأشار إلى أهمية وجود حلول لمواجهة هذه المعوقات تتمثل في الحد من السلع المستوردة لإعطاء المنتجات المحلية أو دعمها ماديا لتكون سوق المنافسة متوازنة لتحفيز المصارف الممولة لدعم هذه المشاريع الصغيرة، مبينا أنه من المهم حماية المشاريع الصغيرة وإيجاد ضمان لها في بداياتها.
ولفت إلى أن من المخاطر التي تواجه هذه السوق أن ملاك هذه المشاريع الصغيرة خاصة في تجارة التجزئة يسلمون المشاريع للعمالة الوافدة التي تتجاوز نسبة تشغيلهم لهذه المشاريع 90 في المائة، لتكون منافسة سلبية على صاحب المشروع أو على أصحاب المشاريع التي يديرها السعوديون بأنفسهم من صغار المستثمرين.
وبين الخليفة أن الجيل الجديد من الشباب في ظل الظروف الراهنة وتدني فرص التوظيف في القطاع الحكومي بدأ يتلمس طريقا آخر للخروج من هذه الظروف، خاصة أن نسبة الثقافة لدى الشباب تجاه المشاريع الخاصة وصنع فرص عمل لهم أصبح عاليا وبدأوا في الاتجاه إلى هذه المنافذ وهو توجه قوي يخلق فرصا إبداعية لقطاع الأعمال، إلا أنه من المهم جدا احتواء هذه المبادرات والتحرك للحفاظ على استمراريتها وتنميتها من خلال تطوير البرامج المطورة لشباب الأعمال والوقوف على المعوقات وإيجاد الحلول وليس فقط تحديدها، بل من المهم إيجاد قرارات جادة لتذليلها والوقوف على انعكاساتها لإيجاد بيئة خصبة لنمو هذه المشاريع ودعم الشباب.