التقارب الإسلامي - المسيحي
قد يكون الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله - من أبرع من تكلم وقارن بين القرآن والإنجيل، ومعظمنا يتذكر مناظراته التي عقدها مع كبار رجال الدين المسيحي مثل فلويد كلارك، جيمي سوجارت، وطبعاً أنيس شروش. أعتقد أنه من المهم تأسيس الحوار الإيجابي بين المسلمين والمسيحيين لتفهم كل طرف للطرف الآخر ثقافياً وحضارياً متجاوزين الانتماءات المتطرفة والانزواءات الفكرية المتشددة.
قد يتفق البعض ويختلف آخرون مع منظومة أن البريطانيين كانوا يُوقنون أنهم إذا تعرضوا لأية مشاكل في المستقبل فلن تأتي إلا من المسلمين الهنود، ولهذا السبب خطط الإنجليز لتنصير المسلمين ليضمنوا الاستمرار في البقاء في الهند لألف عام. بغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذه الروايات، فإن استقدام موجات المنصرين المسيحيين إلى الهند، أو غيرهم من الديانات والأطياف الأخرى لأماكن أخرى يجب ألا تقف عائقاً أمام الحوار بين أتباع الثقافات والأديان.
لا يوجد أدنى شك في أن القرآن الكريم معجزة في حد ذاته من حيث صياغته ومضمونه وتوقيت نزوله، كما أنه لا يوجد أدنى شك في أن القرآن الكريم غير قابل للتزوير رغم تعرضه للهجوم الشرس من المتطرفين. في المقابل، من المعروف أن الإنجيل قد تم نقله في عدة روايات أو ما عرف بالكتب الأربعة (متى ومرقس ولوقا ويوحنا) وهي تتقارب كما تختلف فيما بينها. وتحضرني هنا رواية البروفيسور بارت إهرمن الذي قال ''إن الاختلافات بين نسخ الإنجيل أكثر مما في الإنجيل الذي بين أيدينا''. على كل حال أعتقد أن علينا التعرف على كتب الديانات الأخرى لأن الانكفاء القسري لن يفيد، وبناء الحواجز النفسية والاجتماعية مع الآخر المختلف دينياً أو مذهبياً لن تعمل على تأسيس حوار إيجابي مع أتباع الديانات الأخرى. نريد إزالة الهواجس والحواجز وبناء الجسور للوصول إلى تفاهم بناء بين الجميع.
أتفق تماماً مع عدم وجود اختلافات جذرية بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، لكن المشكلة هي في تعاطي المجتمعات مع هذه الاختلافات شكلاً ومضموناً. الباحث في جامعة نوتنجهام البريطانية الدكتور أحمد مليباري يعتقد أن هناك شحاً فيما طرح من دراسات المقارنة بين كتابي المصدر الإلهي ذاته وفي مجال القصص تحديداً. من الأمثلة بحث تحليل ومقارنة مروية يوسف في سفر التكوين الإصحاح 37-50 وكذلك سورة 12 من خلال تطبيقات لنظريات منها عرض الكلام والخواطر للوصول لقدر اقتحام الراوي وتحكمه في استيعاب القارئ للمعنى الظاهر وما بين السطور. وخلص الباحث إلى تفوق القرآن في منح الحرية للقارئ في سبر غور السطور والوصول إلى المعنى المحتمل، وكان نصيب الإنجيل بالفوز في الإسهاب والاستطراد فكان طول المروية القرآنية ثلث الإنجيلية عند إحصاء الكلمات في النسخة الإنجليزية للقصة.
إلى وقت قريب جداً لم نكن قد وصلنا مرحلة احترام خصوصيات المجتمعات الدينية والمذهبية الأخرى. لكن يحضرني هنا تأكيد الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ الأسبوع الماضي أنه ليس لدى الهيئة أي استعدادات خاصة لاحتفال البعض برأس السنة الميلادية. كذلك شد انتباهي تصريح المستشار في وزارة العدل الدكتور ناصر الداود أنه ''لا مانع من إظهار غير المسلمين لاحتفالاتهم طالما ليس بها ما نهى الله عنه من أمور شركية أو مخلة بالآداب العامة أو بالنظام العام للدولة.'' هذه مؤشرات جديدة وإيجابية تدعو للتفاؤل في التعامل الإنساني والأخلاقي مع الآخر. لكن ليست الصورة كلها وردية، فنحن لا نقبل أن يقوم القس الأمريكي المثير للجدل تيري جونز بإحراق نسخ من القرآن وممارسات مشينة أخرى بحق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم. كذلك أدانت جامعة الدول العربية ما أقدم عليه عضو الكنيست المتطرف عن حزب الاتحاد الوطني ''المفدال'' ميخائيل بن أري بتمزيق الإنجيل وإلقائه في سلة النفايات احتجاجاً على قيام مؤسسة مسيحية توزع الأناجيل بإرساله إلى الكنيست. هنا تأتي عظمة الإسلام في نشر المحبة والسلام.
كذلك لا نقبل أن يكفر أحدنا أتباع الديانات الأخرى نهاراً جهاراً لمجرد أنهم لا يتبعون ملتنا وديننا. في الوقت نفسه، الصورة ليست كلها قاتمة، أمين عام اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي في لبنان ممثل البطريركية المارونية حارس شهاب أكد أخيرا ''ضرورة التقارب بين الأديان، خصوصا في ظل الوضع المتأزم، ما يتطلب العمل على تنقية الأجواء، حتى لا ننتقل إلى مرحلة صراع بين الحضارات''.
أمامنا جميعاً تحديات جسام، ومن أهمها محاصرة القوى المتطرفة التي تعمل على إجهاض التقارب الإسلامي - المسيحي. وهنا أوجه دعوة للتفاهم بين المسلمين والمسيحيين لأن الاختلافات الحادة بيننا ستؤجج النزعات الأصولية والنزاعات المتشددة والتصادم الحاد لدى الطرفين. أصبح نبذ وتهميش وإقصاء الآخر في عالمنا المعاصر المختلف من الأمور التي يجب أن تطويها صحف التاريخ.