هل الوكالة الحصرية حق خاص أم عام؟
أحد عوامل النجاح في الاقتصاد السعودي الجزئي هو حصول بعض العائلات التجارية على وكالة حصرية مبكرة وفي الغالب قبل التحوُّل الكبير في اقتصاد المملكة مع أول زيادة مؤثرة في أسعار النفط عام 1971. هذا التحوُّل نتج عنه ثراءٌ هائلٌ لوكلاء السلع الاستهلاكية، خاصة السيارات، والأجهزة الكهربائية، والأدوية، والساعات، والمشروبات الغازية، والسلع الاستهلاكية مثل الشامبو، والعطور، والصابون وغيرها. وأصبحت الوكالة الحصرية لهذه السلع الرائجة والضرورية فرصة غالباً بسبب قلة البديل، خاصة لما تكون الوكالة مقرونة باحتكار قطع الغيار، كما في السيارات والمعدات المكتبية. على الرغم من أن نظام وزارة التجارة لا يكفل حماية قانونية للوكالة الحصرية، إلا أنها أصبحت وكأنها تقنينٌ مقدّسٌ لحماية التاجر على حساب المستهلك. أحد الأسباب رغبة الشركات العالمية في التعامل مع وكيل في العالم الثالث لتفادي مسائل العمالة، وبعض النواحي الإدارية والنظامية. في ظل تنامي الاستهلاك لظروف النفط وتقاعس وزارة التجارة وجشع أغلب التجار (مفهوم في ظل غياب تشريعات المنافسة) تصبح الأرباح كبيرة قياساً على دور ضعيف اقتصاديا (القيمة المضافة محدودة جداً والتسارع في الاستهلاك كبيرٌ) من هذا المنطلق أرى أن أغلب الوكالات الحصرية ضررها أكبر من نفعها على الاقتصاد الوطني، بل إنها من زاوية اقتصادية بحتة أقرب ما تكون حقاً عامً وليس حقاً خاصاً، فالأرباح الإضافية (التي بسبب الاحتكار واستغلال الوكيل لقطع الغيار) ليس حقاً خاصاً، بل عاماً في ظل عدم وجود نظام منافسة حقيقي وفاعل لا يفرق بين الخاص والعام. إغفال دور المنافسة طامة كبرى.
تحليلاً .. المستفيد في هذه الوضعية نحو 90-80 عائلة فقط وليس نطاقاً واسعاً من شرائح المجتمع، كما أن هذه العائلات لم تستثمر في الغالب رأسيا في هذه القطاعات، بل اكتفت بالتوسع الأفقي، وأحيانا ساعدت على الاستهلاك بالتشجيع على تمويل الاستهلاك ذاتياً عن طريق قروض شخصية. يصعب فرز الأرباح الإضافية (التي يجنيها الوكيل زيادة على المعتاد)، ولكن وجودها حتمي، ولذلك حان الوقت لإصلاح الحال. فهناك مَن يقول إن الوكالة الحصرية ضرورية للتأكد من توافر قطع الغيار والتزامات الصيانة، ولكن التجارب لم تثبت ذلك، ولعل أفضل مثال على ذلك سماعنا عن استدعاء شركات السيارات لاستدراك عيوب صناعية وهذا نادراً ما يحدث لدينا، بينما لا يكاد تمر أشهر قليلة وتسمع عنه في الدول المصنّعة. كما أن هناك عدم وضوح فاضح بين الوكيل والموزع في تفادي المسؤولية في أغلب الأحيان.
ما الحل؟
الحلول الناجحة لا بد أن تجد توازناً يخدم المستهلك، ويخدم تعميق الصناعات والخدمات المرادفة لها، ولا يضر بالتجارة والبحث عن الربح المقبول. ولعل الحل الأمثل يكمن في سن تشريعات تحمي السوق وحق المستهلك في سعر وخدمة دون ضريبة احتكار. الضرائب سترفع الأسعار على المستهلك ويصعب المطالبة بها في ظل غياب التفكير بمنظومة اقتصادية متكاملة. لعل الأفضل هو كسر هذه الاحتكارات بالكشف عن مستوى أرباحها، وتوقف الدفاع عنها قانونياً وأحيانا تقسيمها إلى مناطق عدة من خلال تواصل التجارة مع الشركات العالمية، فمثلاً يستحسن أن يكون هناك أكثر من وكيل لأكبر شركة سيارات يابانية في المنطقة الغربية، وأن يكون هناك أكثر من وكيل معتمد لأكبر سيارات ألمانية في المنطقة الوسطى ويمنع وجود وكالات حصرية لشركات الدواء المعروفة. خطوة أخرى لا يسمح لشركات السيارات والمعدات الكهربائية بوكالة قطع الغيار ومعاقبة التواطؤ. زاوية أخرى للحلول قد تأتي في ظل السماح لوكلاء الخليج بدخول السوق السعودية تحت مظلة الوحدة الخليجية الاقتصادية.