سائقو المركبات وشهادة حسن السير والسلوك
نشرت جريدة ''الاقتصادية'' في عددها في الأسبوع الماضي تحقيقا أظهر أن شركات التأمين غير ملتزمة بما هو معمول به عالميا من حيث تقديم خصومات على بواليص التأمين الحوادث المرورية، وذلك في حال تجديدها لعام آخر للأشخاص الذين ''تخلو سجلاتهم من الحوادث نتيجة التزامهم بقواعد السلامة المرورية ولم يكبدوا الشركات خسائر مادية تلزمهم بدفعها''.
وقد كتبت سابقا حول هذا الموضوع باعتباره أحد أهم المعايير العادلة التي تحدد العلاقة بين الشركة وعميلها في تأمين المركبات. فهذه العلاقة العادلة بين الطرفين تفترض أولا وجود مبدأ منتهى حسن النية بين الطرفين، أي شركة التأمين وعميلها، وأهم تطبيقات هذا المبدأ أن يحرص العميل على عدم إيقاع أية خسارة لشركة التأمين، وأن يكون حريصا في سلوكه حذرا فيه، بل وذو حساسية عالية تجاه الخطر الذي تم التأمين ضده. وفي المقابل فإن شركة التأمين تتعامل مع عميلها باعتباره من العملاء الموثوق بحسن سلوكهم. كما أن هذه العدالة تقتضي من شركة التأمين إعادة تقديرها للخطر وفقا لسلوك العميل، فتقوم بتخفيض القسط مقابل انخفاض عوامل حصول الخطر، وأن تقوم بأخذ سلوك قائد المركبة كأحد هذه العوامل التي أدت إلى عدم حصول الخطر خلال فترة زمنية معينة.
يضاف إلى ذلك أن مبدأ العدالة هذا يجب ألا يساوي بين العميل ذي السلوك الخطر أو غير المبالي، وبين العميل ذي السلوك الرشيد والحريص على عدم حصول حادث سير، وبالتالي عدم حصول خسارة لشركة التأمين، فوفقا للتحقيق الذي أجرته ''الاقتصادية'' فإن رؤساء تنفيذيين لشركات تأمين ذكروا أن عملية منح خصومات وحوافز لقائدي المركبات الذين تخلو سجلاتهم المرورية من أية حوادث ويلتزمون بقواعد السلامة المرورية، لم يتم تفعيله في المملكة، وذكروا أن شركات التأمين في أوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية تعمل على بند إعطاء العميل حوافز خصومات في حال خلو سجلاتهم من الحوادث، والتزامهم بالقواعد المرورية التي تصل خصوماتهم في العام الواحد إلى 10 في المائة، وفي حال التزام العميل لمدة خمس سنوات متتالية يعطى خصما 50 في المائة، في حين الشركات المحلية لا تلتزم بهذا النظام العالمي.
وبدون أدنى شك، فإن تطبيق هذا المبدأ هو تشجيع على عدم اقتراف مخالفات مرورية، وهذا له أثر إيجابي في السلامة المرورية. كما أن تطبيق هذا المبدأ ليس صعبا أبدا، وقد سبق لي وأن عملت بحثا حول العلاقة التبادلية بين التأمين والمخالفات المرورية، وقمت بعمل استبيان حول رغبة الشركات في وجود نظام يمكّنها من الاطلاع على مخالفات السائقين التي لها تأثير في السلامة المرورية مثل قطع الإشارة وعكس السير وما إلى ذلك من مخالفات تؤدي إلى احتمال حصول حوادث، فوجدت أن إجابات الشركات كانت تؤيد ذلك بشكل كبير. وهذه بحسب ما أرى لا تكون إلا بتنسيق بين شركات التأمين والمرور يعطيها الحق بالاطلاع على سجل المخالفات في المرور لكل عميل، فإن كان هذا السجل نظيفا تقوم الشركة بإعطائه سعرا مشجعا للتأمين، وفي حالة تجديد التأمين يكون لدى الشركة الإمكانية المباشرة لتقييم سلوك هذا العميل بنفسها، فإن لم يرتكب حادثا خلال سنة من التأمين لديها تقوم كذلك بمنحه خصما تشجيعيا في القسط، فهو بدون شك يعد عميلا نموذجيا لشركة التأمين، ومن غير المهنية أن تفرط فيه ليذهب إلى شركة أخرى.
والاطلاع على سجلات السائقين يقتضي كذلك أن تتبنى شركات التأمين نظاما خاصا بها يتم بموجبه تبادل المعلومات فيما بينها حول السائقين الذين اقترفوا حوادث سير خلال تأمينهم لديها وقامت بالتعويض عنها. لقد لاحظت خلال دراستي في فرنسا أن بعض السائقين الذين يقترفون حوادث بسيطة يقنعون من صدموهم بأن يقوموا بإصلاح مركباتهم على حسابهم بعيدا عن تدخل شركات التأمين، وذلك حتى يكون سجلهم نظيفا ولا تحسب شركة التأمين عليهم هذا الحادث وتدخله في سجلاتها وبالتالي يحرمون من الخصم المجزي الذي تمنحه لهم شركات التأمين عند التجديد لهم.