تحديد تخصص القلم في الكتابة
عندما تفكر في أن تمتهن الكتابة فتصبح كاتبا صحافيا محترفا عليك أولا أن تختار خطا واضحا لكتاباتك، فإذا كنت متخصصا مثلا في الاقتصاد وقررت أن تجعل كتاباتك تتحدث عن مواضيع اقتصادية عميقة لا يفهمها إلا ذوو الاختصاص، فإنك لن تستطيع أن تكتب في إحدى المرات عن موضوع اجتماعي أو أدبي لأنك اخترت خطك الواضح واتفقت ضمنا مع القارئ عليه.
أما أنا فقد اخترت طريقا آخر بعيدا عن التخصص؛ فأنا لا أريد أن أبيع الماء في حارة السقايين، أنا هنا سأكتب في كل المواضيع: اجتماعية أو اقتصادية أو أدبية بعيدا عن الإحصاءات الدقيقة والمصطلحات العلمية المعقدة. إن الخط الذي اخترته لنفسي يتلخص في أن يكون قلمي نديما للقارئ مجرد شخص يتحدث إليك بحديث تستعذبه وتشعر أن لديه كارزما خاصة تجذبك، كارزما تعلم أنها لا توجد عند الكثيرين.
قررت أن أجعل قلمي نديما يتحدث إليك بأدب ويجتهد لتكون لغته مهذبة وعذبة، يهدف بشكل أساسي إلى أن يكون حديثه ممتعا، فيكون كطبق من الفواكه بعد وجبة دسمة من اللحوم الحمراء، يتحدث إليك تارة عن شفرة دافنشي وتارة أخرى عن هبوط الأسهم بشكل مفاجئ ويكون حديثه بالطبع غير متخصص مجرد حديث من صديق إلى صديق، ولو أنني أعرف أن الحديث في موضوع الأسهم لغير المتخصصين أشبه بوصف دواء من قبل شخص لا يحمل مؤهلات طبية كافية على أية حال سأكون حذرا، وسيتحدث إليك مرة عن مشكلة السعودة ومرة أخرى عن قول بشار بن برد (جبلت على ما فيّ لست مخيرا.. هواي ولو خيرت كنت المهذب)، وسيتحدث إليك مرة عن مسلسلات رمضان وعن رأيه في وقف طاش ما طاش، وهل استطاع برنامج واي فاي أن يحل محله بجدارة؟ ومرة أخرى عن نظام القطارات المزمع إنشاؤه في مدينة الرياض ومرة ثالثة عن أكلات الشعوب وأسباب تشابه بعضها في بعض البلدان مثل الكبسة عند السعوديين والمنسف عند الأردنيين والكسكسي عند شعب المغربي والبرياني عند أهل الهند والسند، سيتحدث إليك تارة عن الطرب الأصيل من معبد إلى محمد عبده، وتارة أخرى عن البؤس في رواية البؤساء ومرة ثالثة عن كيف تم ابتكار البوظة ''الآيسكريم''، سيتحدث إليك مرة عن انتشار الصحف الإلكترونية وتأثيرات ذلك على الصحف الورقية ومرة أخرى عن الحكم الصينية القديمة، سيتحدث إليك مرة عن مشاكل تربية الأطفال ومرة أخرى عن الفوائد التي ستجنيها البشرية من غزوها للفضاء، ستحدث إليك مرة عن حوادث المرور التي أصبحت خطرا واضحا على الناس ومرة أخرى عن حيواناتنا الأليفة في الماضي التي كانت عبارة عن ضب وجربوع، وكيف أننا كنا السباقين في اقتناء الحيوانات الأليفة، ومرة ثالثة عن دول الربيع العربي ليس من زاوية سياسية، ولكن من منطلق ما إذا كنا قادرين على زيارتها في الوقت الحاضر أو أننا نحتاج إلى وقت لفعل ذلك، سيتحدث إليك مرة عن مقترحات تتعلق بتطوير التعليم في المرحلة الابتدائية ومرة أخرى عن إيجاد قنوات ترفيه للكبار في مدننا الرئيسية، سيتحدث إليك تارة عن رغبته في وجود قائمة للأدب العالمي تجدها في المكاتب العالمية كما للأكل العالمي قائمة تجدها في الفنادق ذات الخمسة نجوم، وتارة أخرى عن أن حديثنا الحالي عن الأمراض التي قد تصيبنا من جراء استخدامنا المفرط للهواتف الذكية هو أشبه بخوفنا من أن تظهر لدينا كما في الغرب حالات من المرض النفسي يشعر بها المريض أنه إنسان آلي، سيتحدث إليك تارة عن مثل قديم وعن قصة هذا المثل وما يشابهه من أمثال في لغات أخرى وتارة أخرى عن مذاق الأشياء في الصغر وهل تغير مذاقها في الكبر نتيجة تغيرها أو بسبب أننا قد كبرنا عليها مثل فرحتنا بالعيد؟
الواقع أنني كتبت هذا المقال لكي أوجه إلى القارئ الكريم سؤالا واحدا هل هذا الخط في الكتابة يعجبك وستقبله مني؟ هل تحب أن تأكل الفواكه بعد وجبة دسمة من اللحوم الحمراء، أم أنك تراها طبقا يجب أن نزين به السفرة، ومن يمد يده عليه يكن قد أقدم على فعل غير مقبول وأنه بذلك خالف بروتوكول آداب المائدة؟