المواقع الاجتماعية وسيكولوجية الاستقبال الذهني

تسجل الأمراض النفسية ارتفاعا واضحا وفق الإحصائيات الدولية عاما بعد عام، بل قد لا تحتاج إلى قراءة الإحصاءات، لكن يكفي أن تنظر حولك لتكتشف كم ينتشر القلق والاكتئاب والوسواس والرهاب وغيرها من العديد من الأمراض النفسية بل والعقلية أيضا كالتوحد والفصام والهوس. ولو أردنا التحقق من الأسباب لوجدنا أن الأسباب الجينية كالاستعداد الوراثي للإصابة هي من العناصر المهمة، ولكن الجانب البيئي هو العنصر الذي يشعل الفتيل للإصابة نفسيا أو أحيانا عقليا، ولكن لو نظرنا إلى الأمراض النفسية والجسدية كالقولون والمعدة والسكري والضغط وغيرها لوجدنا أيضا أن هناك ارتفاعا ملحوظا على مستوى العالم لارتفاع الحالات التي تصاب بالأمراض الجسدية وكل ذلك إجمالا يعني أن الأمراض بكل أنواعها ترضخ لنوع خطير من التفاعل النفسي الذي من شأنه أن يتحول إلى إصابة إما نفسية أو عقلية أو جسدية وذلك لأن حيز القلق على مستوى العالم اقتطع من نسبة السعادة والرضا والشعور بالراحة فكل المثيرات المقلقة تطرق بوابة التفكير والوجدان لدى الفرد بلا استئذان عبر كل الأجهزة والتقنيات التي يتعامل معها الفرد كالهاتف النقال الذي يجبرك على الرد مهما كانت الظروف تقريبا، وكالإنترنت الذي يصل كرسائل إلى جوالك لأنك اشتركت في خدمات متعددة، وكالصور والأخبار التي تتابعها حتى وإن كنت لا تحب الأخبار أصلا فهي تفرض عليك فرضا قهريا من خلال شريط الأخبار المتحرك الذي ''تتزين'' به كل القنوات المختلفة! وبالتالي وتجاه كل تلك المنغصات لن تفر مما يسمى بـ ''القلق'' الذي يكون هو النتيجة الحتمية لذلك الزخم من المعطيات التي تفرض عليك أحيانا حتى وأنت تغلق هاتفك النقال في وقت نومك ستجد الرسالة تنتظرك في صباح اليوم التالي لتسجل الرسالة رقم واحد في يومك. أعتقد أنها أحداث بسيطة جدا ربما لا نفكر فيما تحدثه في نفسياتنا، ولكن الأمر لم يعد خبرا فحسب بل ترسل الصورة مع الخبر من أجل دعم نقل الخبر وإتقان انتقاله وكل ذلك من أجل أن تقوم بفتح الرابط دون تردد، ولعل مواقع التواصل الاجتماعي من أكثر المواقع تسلية كما يراها البعض ولكنها في المقابل من أكثر المواقع نقلا للأخبار المزيفة والكاذبة بل وقد تجد فيها من لديه المهارة العالية جدا في ''فبركة'' أي خبر أو ''حبك'' أي إشاعة وتنوعها من الاجتماعية والصحية وغيرها وباعتبار مواقع التواصل الاجتماعي هي من المواقع المحببة لدى كثير من الناس في العالم ككل وفي مجتمعنا تحديدا، لذا وجب على الأسرة إيجاد ما يسمى بـ''فلترة الاستقبال الذهني'' بمعنى أن الفرد لا بد أن يكن مدركا وواعيا بشكل عام للكيفية التي من خلالها يستطيع أن ينتقي الفكرة والمعلومة التي يراها صحيحة دون تخبط وهي في حد ذاتها فن من الفنون العقلية الإبداعية التي تنم عن عقلية واعية ومتزنة. أعتقد أن الأمر ضرورة ملحة على الأقل لتكن خطوة جيدة للوقاية من المرض في كل ما من شأنه أن يوضع أمامنا من معلومات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي