سوقنا يا معالي الرئيس
عُيِّن الأسبوع الماضي رئيس جديد لهيئة سوق المال السعودية، يعد الرئيس الثالث لتلك الهيئة منذ إنشائها وبتاريخيتها الفتية، مقارنة بهيئات أسواق المال العالمية المتقدمة خصوصاً. ولا ينكر القول إن الهيئة أسهمت بالكثير في نتاجها نحو إكمال السوق في بنيتها الأساسية، وبالذات التشريعية والتنظيمية منها، بقيادة من رأسها في السنوات الماضية، ما أدى في نهاية المطاف إلى بلورة سوق أسهم تشكلت ملامحها بصورة مهنية أكثر احترافية من ذي قبل. وهذه الصورة أيضاً لم تخل من العيوب والقصور لأسباب عدة؛ منها حداثة التجربة، وبالتالي وجود فجوات في بناء السوق أو عدم الالتزام بتطبيق التشريعات والتنظيمات بالطريقة المثلى، التي عنيت بها هذه التشريعات وهدفت إليها، مما أدى إلى معايشة أحداث في بعضها كارثية، أدت إلى انهيارات سعرية للسوق برمتها لأكثر من مرة.
ولعل أسواق الأسهم بالذات مهما وصلت كفاءتها لا يمكن أن يتجنب انهيارها بشكل قاطع، غير أن الفارق بين انهيارات سوقنا العزيزة والأسواق الأخرى هو التعلم من أسباب ذلك الانهيار، وتصحيح الأوضاع بشكل آني، بما يضمن عدم تكرار ذلك الانهيار من جراء تلك الأسباب التي أدت إليه. إن السوق السعودية بغض النظر عن الحقبة التاريخية في عهود رؤساء هيئتها التنظيمية والتشريعية، تشترك في مقام واحد عنوانه بطء الإيقاع في التغيير بشكل مفصلي، يكفل استقامة السوق بالطريقة المتعارف عليها نظريا. ولقد امتلأ الإعلام الاقتصادي وبحثت مواضيع السوق من قبل أطراف متعددة ذات صلة به، وأقيمت مؤتمرات وندوات وخلافه، حيث أبرزت ونوقشت تلك المثالب في سوقنا، إلا أن التطبيق للحلول أو التوصيات المقترحة بقي حبيس الأوراق ليكون فقط من ضمن أدبيات سوق الأسهم السعودية، وهذا على مر السنوات أدى إلى فقد الثقة بالسوق وانحسار الرغبة محليا وإقليميا، ما جعل أسواقا أخرى لاقتصادات أصغر بكثير من الاقتصاد السعودي تتفوق عليه، بل تتعداه بمراحل في جوانب جوهرية كثيرة.
أتمنى من الرئيس الجديد أن ينظر إلى سوق الأسهم السعودية بنظرة بانورامية اقتصادية مهنية ليس الهدف من ورائها فقط وصول المؤشر إلى مستويات معينة، بل إلى العمل على إصلاح ما هو معروف من تخلخلات في بنيته الأساسية من واقع العوامل الأساسية، التي يجب أن تكون هي المحرك الرئيس للسوق. هناك عديد من هذه التخلخلات ما زالت هي قضية السوق في عدم تجاوزها أدنى درجات الكفاءة، وهي ليست بجديدة ومعروفة كالشفافية وعمق السوق وسعتها وعمل كل ما ينأى بها عن المضاربات، وتغليب الاستثمار المؤسساتي وليس الفردي ، التي مثلما أسلفت أُشبعت نقاشا ودراسة، غير أن تطبيق توصيات تلك الأفكار والرؤى لم يبرح مكان نتاجها. وفي تقديري إن لم يكن هناك عمل جدي يُرى على أرض الواقع، فسنستمر في عدم مصداقية سوقنا إلا من قبل الأطراف المستفيدة، التي اختطفت وتخطف السوق يوما بعد آخر.